بينما شهدت شيرين عبد الوهاب عامًا مضطربًا مليئًا بالتحديات الشخصية التي تصدرت عناوين الأخبار، استمر صوتها وإرثها الفني في التوهج في عام 2024. فعلى الرغم من تعطل عجلة إصداراتها الجديدة، استطاعت شيرين أن تحافظ على مكانتها بفضل تأثير أغانيها التي بقيت هيت عبر السنوات، كأغاني ألبوم "نساي" الذي صدر عام 2018، لتتمكن شيرين عبد الوهاب من الاستئثار بالمرتبة الأولى على قائمة بيلبورد عربية 100 فنان في معظم أسابيع العام 2024. وبناءً على ذلك، توجت شيرين بأربع جوائز مرموقة في النسخة الأولى من حفل جوائز بيلبورد عربية، الذي أُقيم في الرياض. تشمل الجوائز التي حصدتها شيرين الفئتان الأبرز: فنان العام وأفضل فنانة، إلى جانب جائزتي الفنان الأول وأفضل فنانة في فئة الأغنية المصرية.
فيما يلي هذه الجوائز والتكريمات، صدرت قوائم بيلبورد عربية هذا الأسبوع لتشهد تراجعًا نسبيًا لشيرين إلى المرتبة الثالثة، حتى تاريخ كتابة هذا المقال، مع كثافة الإنتاج والنشاط الفني التي نشهدها لفنانين من أجيال مختلفة على امتداد العالم العربي، فيما مازالت إصدارات شيرين رهينة الأزمة القضائية بينها وبين شركة روتانا.
بالتزامن مع ذلك، تم تحديد موعد جلسة النطق بالحكم في قضيتها مع روتانا المُقرر انعقادها في 3 فبراير/ شباط المقبل، ليظهر محامي شيرين السيد ياسر قنطوش في الأيام الماضية مُعلّقًا بأن القضية انتهت تقريبًا وأن موكلته قد دفعت الشرط الجزائي لروتانا وأدّت ما عليها قانونيًا. نترقب إذًا خلال أسابيع الحكم النهائي الذي يمكن أن ينفض عن تحررها من التزاماتها تجاه روتانا وتمكنها من العودة لإصدار أغانيها بشكل نظامي على منصات البث المختلفة، أو إلزامها بالتعويض للشركة عن خرق التعاقدات بينهما.
يتركنا كل ذلك أمام استفسارات حول ما ينتظر شيرين في العام 2025، فالنجمة تقف اليوم على منعطف هام في مسيرتها قد يعيدها إلى السكة مع تلهف جمهورها لسماع الجديد منها، أو قد يجرها للمزيد من الإحباطات والعرقلات. سيكون بذلك فبراير/ شباط القادم شهرًا حاسمًا في مسيرتها الممتدة لأكثر من عقدين من الزمن، علمًا أنها لم تكن مسيرة ممهدة بالورود، وأن شيرين قد عانت من شراكاتها وخياراتها وراء الكواليس ما يكفي، قبل أن تبدأ مشكلاتها الشخصية والمهنية بالانفجار للعلن على هذا النحو.
لذا، وقبل أن نتوصل لاستنتاجات حول ما ينتظر شيرين عبد الوهاب في الفترة القادمة، نستعيد مفاصل رحلتها الفنية، من بداية اكتشاف موهبتها في سن صغير، وصولًا لتتويجها بجائزة فنان العام قبل أسابيع.
بداية شيرين الفعلية والشراكات المُبكرة
ولدت شيرين عبد الوهاب في حي القلعة في القاهرة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1980. اكتشف أحد أساتذتها في المدرسة جمال صوتها، وأقنع أهلها بتنمية هذه الموهبة عبر انضمامها إلى دار الأوبرا المصرية. التحقت بالكورال من عمر التاسعة حتى الثانية عشرة. وعندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها، بدأت بإحياء بعض الأفراح الخاصة.
بدأت مسيرة شيرين الفعلية عام 2001، عندما تعاونت مع محمد محيي في دويتو "بحبك"، التي صدرت ضمن ألبوم "صورة ودمعة"، الذي أنتجته شركة فري ميوزك لنصر محروس؛ الذي آمن بموهبتها وقادها إلى النجومية. وفي عام 2002 أنتج لها ألبوم مشترك مع تامر حسني بعنوان "فري ميكس 3 - تامر وشيرين"، قدما فيه سويّةً أغنيتي "لو كنت نسيت" و"لو خايفة"؛ ليُشكلا ثنائيًا موسيقيًا شابًا خطف اهتمام الجمهور المصري والعربي. وضمّ الألبوم أيضًا ثلاثة أغاني منفردة لشيرين، بما فيها أغنية "آه يا ليل"، التي كانت من أبرز هيتات تلك الفترة وجعلت اسم شيرين ينتشر عربيًا.
هوية فنية فريدة مع الألبوم الفردي الأول
واصلت شيرين شراكتها مع فري ميوزك، لتطرح معها أول ألبوماتها المنفردة عام 2003، بعنوان "جرح تاني"، الذي رسمت فيه شيرين ملامحها الفنية الاستثنائية، التي كانت قد مهدت لها بأغنية "آه يا ليل". الأغنية طبعت بأذهان الجمهور صورة المرأة الحديدية، ذات المرجعية الشعبية، التي تُغني "آه يا ليل" ولا تُبالي بفشل علاقة عاطفية عاشتها. عززت شيرين هذه الصورة مع أغاني ألبومها المنفرد الأول، الذي تُمثّل كل أغنية فيه فصلًا في حكاية علاقة حُب سامة لامرأة قوية يعكس صوتها الروح الجريئة والعصرية. انتهت علاقة شيرين بفري ميوزك بعد إصدار ألبومها الثاني، "لازم أعيش"، سنة 2005، الذي سارت فيه على ذات النهج، قبل أن تُبدل شيرين شركة الإنتاج، وتتبدل معها بعض ملامح تجربتها الفنية.
من البوب الشعبي إلى البالاد العاطفي
في عام 2008، تعاقدت شيرين مع روتانا للمرة الأولى، لتُصدر معها ألبوم "بطمنك"؛ الذي بدت فيه شيرين قد تخلّت عن سياق الحكاية المترابطة الذي ترسمه أغاني الألبوم المختلفة. تضمن الألبوم مجموعة من الهيتات، التي تُقدم فيها حالات عاطفية متنوعة ولا يربطها سياق واضح. وامتد ذلك لألبوم شيرين الرابع، "حبيت"، الذي أنتجته نجوم ريكوردز، والذي بدت معه شيرين أكثر قدرة على التنوع، لتتمكن من نقل شخصية المرأة الحديدية التي رسمتها من جنرا موسيقية إلى أخرى، وتبتعد بها عن سياق موسيقى البوب الشعبية التي لازمتها، نحو موسيقى البالاد العاطفية مع أغاني مثل "كتر خيري".
ومع بداية العقد الثاني من الألفية، بدأت شيرين تظهر بصورة أكثر رومانسية، لتُصبح أكثر ميلًا لتقديم أغاني البالاد العاطفية مع تخليها أكثر عن جذور شخصيتها الفنية الشعبية. قدّمت شيرين خلال هذا العقد مجموعة من أجمل أغانيها الرومانسية مثل "يا ليالي" و"مشاعر". وتوجت شيرين هذه المرحلة بإصدار ألبوم "نساي" سنة 2018، الذي طرحته بعد زواجها من حسام حبيب، والذي تضمن أغاني شديدة الرومانسية والعذوبة مثل "حبه جنة" و"كلام عينيه".
شيرين الحاضرة الغائبة
مع بداية العشرينيات من القرن الحالي، تعطّل نشاط شيرين الفني بتأثير جائحة كورونا، التي تزامنت مع أزماتها الشخصية، لتُصبح مُقلة بإصداراتها. تتابعت سلسلة انفجارات علاقتها بزوجها السابق حسام حبيب أمام عدسات الإعلام. شهدنا آخر أزمات هذه العلاقة في صيف العام 2024 حيث وصلت شيرين إلى النيابة العامة للإدعاء على طليقها بعد انفجار الموقف بينهما عند لقائهما في استديو تسجيل. تخلل ذلك إلغاؤها لحفلاتها المقررة في دبي أولًا ثم في بيروت لاحقًا "لأسباب خارجة عن إرادتها على حد تعبيرها"، ثم إصرارها على تسريب أغاني ألبومها في فترة كانت فيها مازالت في خضم النزاع القضائي مع شركة روتانا حول ملكيته. وطوال فترة هذه الأزمات هذه مارست بعض وسائل الإعلام ضغطًا إضافيًا على شيرين، بوضع كل هفوة وكل أزمة وكل تعليق منها تحت عدسة المجهر.
ورغم أن أغانيها المعدودة التي صدرت منذ ذلك الوقت، لم تُحقق نجاحًا يُذكر بالمُقارنة مع أغانيها القديمة، إلا أنها ظلت حاضرة في قوائم الفنانين الأكثر استماعًا وعلى منصات التتويج؛ حيث احتلت شيرين صدارة قوائم بيلبورد عربية التي تم استحداثها نهاية عام 2023، بأغنية "كلام عينيه" من ألبوم "نساي"، وذلك بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على إصداره. الألبوم أصبح ظاهرة موسيقية فريدة، حيث حافظت 3 من أغانيه على حضورها بقائمة هوت 100 على مدار عام 2024، فضلًا عن حضور أغاني أقدم بالقائمة، مثل "صبري قليل"، التي تُعتبر أقدم أغنية وصلت للمراتب الخمسة الأولى على قائمة بيلبورد عربية، وذلك بعد مرور 20 عام على إصدارها؛ لتتمكن بنهاية العام من التتويج بأربع جوائز في حفل جوائز بيلبورد عربية.
ومع الوصول إلى الأسابيع الأولى من 2025، تابعنا فجأة عدة مستجدات، كعودة شيرين أخيرًا للأداء الحي بعد ما يقارب عامًا من الانقطاع، لتحيي حفلًا في الكويت حضرت فيه ابنتاها إلى جانبها لدعمها نفسيًا في هذه العودة، ثم آخر في دبي. شهدنا تراجعها على قوائمنا ثمَّ استمعنا إلى تصريحات محاميها التي وعدت بإعلانات حاسمة في فبراير/ شباط القادم.
في مقابلة لبيلبورد عربية مع شيرين قبل حوالي العام قالت لنا: "لما دخلت الوسط الفني عملت موضة اسمها العفوية أو إني أكون حقيقية ما البسش ماسك للناس، عشان كده تقريبًا وده حقيقي خليت كل الفنانين وكل الوسط الفني دلوقتي ما يلبسش ماسك للناس... عملت موضة اسمها الحقيقة. إني صريحة." فإن كانت عفوية شيرين قد تسببت لها في بعض الأوقات بمآزق ومشكلات إلا أن حب الناس أعدل الكفة دائمًا لصالحها.
يتركنا كل ذلك لنتوقع لشيرين، وبغض النظر عن نتيجة الحكم، حلّ عقدة كبيرة في مسيرتها شكلت عائقًا لها منذ العام 2019، بما يتماشى مع حلّها المزيد من العقد الشائكة في حياتها الشخصية مؤخرًا، وأن نتوقع منها مزيدًا من نشاط الحفلات والإصدارات والحضور، لكن شيرين في النهاية إحدى أكثر الشخصيات في مشهد البوب العربي الغير متوقعة، والتي يصعب التنبؤ بخطوتها القادمة.