في اليوم السابق لانطلاق جولة كاظم الساهر العالمية من دبي، والتي تتلو صدور ألبومه "مع الحب"، انضممنا إلى البروفات المغلقة للقيصر وفرقته الموسيقية. قبل الدخول أخبرنا فريقه أن البروفات عادةً مساحة محظورة على أي ضيف، ولخرقنا لهذا الحظر، تزودنا بإرشادات حول خصوصية أجواء التدريبات الموسيقية وحساسيتها. تركنا كل ذلك مترقبين بحماسة لما ينتظرنا حتى دخلنا.
تشاركت أوركسترا متكاملة من أربعين عازفًا ومغنيًا ثانويًا مساحة رحبة، جلسوا فيها متراصين في صفوف، يقابلهم في جلستهم مرشدان اثنان فقط، كاظم الساهر وقائد الأوركسترا بصحبة آلة القانون، ليشارك الاثنان ملاحظاتهما وتوجياتهما مع العازفين. يخيل للجالس يتابعهم أنهم يتخاطبون بلغة سرية، بين الإشارات الصامتة التي يبدو أن الأربعين شخصًا يدركون بالإيماء معناها ودلالتها فيأخذون بها، وبين المصطلحات التقنية التي يتحدثون بها حول النوتات والمقاييس الموسيقية، وزمن العلامات ومساحة صمتها. لم يقتصر التوجيه على الأمور التقنية، إذ يحرص كاظم في كل منعطف لأغنية على إعادة توجيه إحساس العازفين بالكلام: "هاي يلزمها انفعال أكبر بالعزف، الكلام بيه ألم كبير" يشرح القيصر لعازف الكمنجة شادًا قبضته وملامح وجهه ليشرح إحساس الكلمات.
وصلت التدريبات بعدها إلى أغنية "لا تظلميه"، قصيدة الشاعر الراحل كريم العراقي التي ذكر في أكثر من مناسبة أنه يعتبرها قصيدة عمره، لتصل البروفات إلى ذروة التركيز مع دقة تفصيلات الأغنية، ليصبح المشهد مع الأخذ والرد بين كاظم وقائد الأوركسترا والموسيقيين، وكأن أربعين شخصًا من الكماليين اجتمعوا في غرفة واحدة وتعاهدوا على عدم الخروج منها حتى الوصول إلى نتيجة مثالية. خاض كاظم مع المغنيين الثانويين لبضعة دقائق كيفية تتابع أدائهم لكلمة "لا لا لا" قبل "لا تظلميه" بحزم وقوة، وقد كان من الجالسين بينهم ابنه البكر وسام الذي يؤدي دوره كجزء من الكورال، فيما يتنقل بحذر داخلًا خارجًا مشرفًا على شؤون أخرى بين تحضيرات الجولة والتنسيق مع الفريق الإعلامي وعشرات التفاصيل التي تحوم في كواليس يوم كهذا.
بعد ربع ساعة مرهقة مع "لا تظلميه" بدأت المطالبات باستراحة، فخرج جميع العازفين من القاعة، وحان دور لقائنا مع القيصر. في الدقائق القليلة التي استغرقها استعدادنا للقاء، تناول القيصر عودًا بجانبه وغاص فيه بريشته لبضع ثواني قبل أن يعلن أنه لربما وجد جملة لحنية كانت قد ضلّت منه في الفترة الماضية، فأخرج جوّاله بسرعة ليسجلها ويبدأ بعد ذلك حديثنا.
حكى لنا كاظم عن رحلة صناعة ألبوم "مع الحب"، معبّرًا عن سعادته بالنتيجة النهائية معلنًا: "حاسس إن هذا من أفضل الألبومات اللي قدّمتها بحياتي". لكن ذلك لم يتعارض مع كون العمل عليه والتحضير له تطلّب جهدًا كبيرًا في كواليس عملية التسجيل من الفنان الذي يعترف أن حساسيته الشديدة لمشاعر الكلمات والموسيقى ترخي دومًا على كتفيه مسؤوليةً وإرهاقًا إضافيين. إلى جانب ذلك شعر كاظم بالمسؤولية الإضافية تجاه تقديم قصائد الشاعر الكبير كريم العراقي في الفترة التي تبعت رحيله عن عالمنا، وإن كان قد نجح بأن يُسمعه لحنه لقصيدة "لا تظلميه" التي لطالما كان الشاعر الراحل قد عبّر عن فخره، وتمنى لها أن تُخلّد بصوت القيصر إلى جانب قصائده الأخرى مثل "يا مستبدة" و"كان صديقي". يخبرنا كاظم عن اللحظة التي سمعه فيها كريم العراقي "لا تظلميه" للمرة الأولى في البروفات قائلًا: "يعني ما قدر أقولك يعني، ضحك، بكى، فرح. كريم كان الله يرحمه مثل طفل يعني نفرح بأي شي جديد. إذا هو كتبها يعني كأنه أول أغنية بحياته كتبها… يعني كان عنا هذا الشعور المتبادل، هذا الإحساس بطفولتنا اللي ما تريد تكبر بداخلنا." ويتابع شارحًا: "حقيقة لما أغني الأغاني أنا أريد أكرمه، إنها تؤدى بأحسن شكل يعني." كما عبّر القيصر بالمجمل أنه يرى في الأداء الحي للأغاني فرصة لتكريمها من جديد وإعطائها حقها لتؤسس ذكريات جديدة مع الجمهور، وكان هذا بالنسبة له الغرض الأساسي للجولة الموسيقية التي تلي صدور الألبوم: "هذا الألبوم لازم خصيصًا يسمعوه الناس، يعني صح غنو الإعجاب والملايين اللي يتابعو، ولكن أيضًا بعد بنفسي إن في اشيا جوا الألبوم بعدها ما انسمعت، والحفلات تعطيها فرصة طبعًا".
كذلك، استعدنا مع القيصر تزامن موعد صدور ألبوم "مع الحب" هذا العام، مع الذكرى الخامسة والعشرين لصدور ألبوم "حبيبتي والمطر"، لنسأله عن تقييمه الشخصي لهويته الفنية بين الأمس واليوم، ليشرح لنا أن موضع الاختلاف بالنسبة له يكمن في نضج أدائه وإحساسه عبر السنوات: "الحياة لما تعطيك بتجاربها اللي تمر بيها يصير كل شيء،الإنسان لما يوصل هذا العمر يصير كل شيء لازم يدقق فيه ويحسه… أمشي في الشارع أدقق في الأشياء الحلوة. غير أريد أشوف كلشي في الحياة. حتى بالأداء، لما أسمع القديم ما يرضيني أحكيلك الصراحة… لما انا أغنيها عالمسرح أدائي غير عنها. إحساسي فرق".
تابعوا اللقاء الكامل مع القيصر كاظم الساهر في الفيديو أعلاه، كما يمكنكم قراءة مراجعتنا لألبوم "مع الحب" هنا.