حين ضربت أغنية عيشالك في العالم العربي ووضعت إليسا على سكة النجومية، كان مشهد البوب العربي يشهد قفزة نوعية تبعت الوصول إلى الألفية الجديدة. بحث الجميع حينها عن الأغنية الهيت التالية، لكن البصمة المميزة التي تركتها إليسا في ذلك الوقت لم تكن فقط في إيجاد الأغنية المثالية لصوتها وشخصيتها، بل ودراسة تجارب هيتات أخرى بدقة وتمعن وذائقة عالية، والتدخل في تفاصيل التوزيع، حتى الوصول إلى البيت الإلكتروني المثالي الذي رافق الأغنية. ورغم أن الوجه الجديد حينها أثار الفضول والجدل خاصة مع صدور فيديو كليب الأغنية الذي نمّطها تحت تصنيف الجرأة، إلا أن السياق العام بعد مرور العقود أثبت أن إليسا لم تكن حينها مجرد موهبة عثرت على النجاح بالمصادفة. كانت المغنية الشّابة صاحبة رؤية خاصة منذ البداية، جعلتها من السباقين في إدخال عناصر الهاوس إلى أغنيات البوب العربية بصحبة الموزّع جون ماري رياشي.
مع اقتراب موعد صدور ألبومها الجديد، الذي يحمل الرقم ثلاثة عشر في مسيرتها، عدنا بالزمن مع إليسا لنستذكر أبرز محطات نجاحها بدءًا من ألبومها الأول بحسب رؤيتها هي لهذه المسيرة ولهذه الهيتات. فحتى تاريخ إجراء هذه المقابلة، كان قد مر 32 عامًا على دخول إليسا برنامج استوديو الفن، لتحصل فيه على الميدالية الفضية، والتي كان من المفترض أن يتبعه توقيع عقد فني، سرعان ما تم تمزيقه لعدم امتلاكها الموهبة كما أخبرها سيمون أسمر.
تلقّت إليسا الرفض الأول بتحدٍّ وقررت التّمسك بحلمها، فلم يثنها ما حصل عن المحاولة بل تحوّل بالنسبة إليها إلى تحدٍ دفعها للاستمرار. كانت بدي دوب بين أولى أغانيها الرسمية والأغنية التي منحت ألبومها الأول اسمه في 1998. رسمت بدي دوب هوية إليسا الفنية بما يناسبها، بغض النظر عن الرائج والمطلوب. مزج لحنها الموسيقى والكلمات العربية بالنغمات الإسبانية، وتصوير الفيديو كليب بالأسود والأبيض وبأسلوب صنفه الجمهور حينها بالجريء، مما جعلها تنتهج طريقًا متفردًا منذ البداية.
لم تكتف إليسا بنجاحها الأول في سعيها نحو إثبات مكانتها في عالم الفن، بل ألحقت ألبومها الأول بثانٍ في صيف العام 2000، تحت عنوان وآخرتا معك. جاءت أغنية بتغيب بتروح ضمن هذا الألبوم لتتحول معها إليسا من هاوية إلى مغنية محترفة، بشهادة من راغب علامة، الذي اختار أن يشاركها الأغنية والنجاح المصاحب لها، فضم الأغنية لألبومه سهروني الليل عام 2001. شكّل نجاح الأغنية لحظة فارقة في إدراك إليسا لهويتها: "ساعتها قلت إنو الشي اللي أنا بشوفو بحالي إني أنا عندي موهبة، شافوا فيي راغب."
مع نجاح الديو الأول لها، وجدت إليسا نفسها تعتلي سلم النجاح بخطىً أسرع، ليأتي ألبومها الثالث عايشالك ويجعلها نجمة بوب. وصفت إليسا أغنية عيشالك بأنها: "نقلة جديدة بالموسيقى بالمطلق، مش معي أنا، بميوزك البوب". لم تكن الأغنية سريعة الإيقاع في بداية الأمر، بل تم العمل عليها لتصل إلى الإيقاع النهائي الذي تم طرحه، جاءت تلك الرغبة في أغنية إيقاعية نتيجة إعجاب إليسا الكبير بهيت بوب آخر من تلك الفترة: "عايشالك إجت بعد ما أنا كنت مغرومة بأغنية حبيبي ولا على بالو. صرت بدي متل هالغنية بدي متل هالغنية. طلعت عايشالك ما خصا بهالغنية بس طلعت عايشالك."
عوامل أخرى غير مثالية التوقيت وبعد الرؤية والجرأة كان لها تأثيرها على استمرار النجومية بعد الهيت الأول. لسنوات طويلة لاحقة حافظت إليسا على الاجتهاد والتصميم ذاته الذي حرّكها في بداياتها. لم تختر أن تكون فنانة بوب تنتقي وتختار من الأغنية التي تعرض عليها، بل تدخلت في أسلوب صناعة الأغاني وتوزيعها، وعززّت شراكاتها مع ملحنين وشعراء فهموا نقاط قوتها، وأظهرت الكثير من العناد في متابعة جميع التفاصيل. عناد يصعب أن يحتسب كصفة سلبية فيها بعد رؤية النتائج النهاية في الألبوم تلو الآخر.
جاء ألبوم أحلى دنيا، الألبوم الرابع لها الذي صدر سنة 2004، وتحديدًا عبر الأغنية الرئيسية منه، ليرسم أبرز معالم الخط الرومانسي الذي انتهجته، لتلقب بعده بملكة الإحساس. سُجلت أغاني الألبوم بتقنية السوبر أوديو التي لم تكن متبعة آنذاك، وحققت نجاحًا عالميًا، أكسب إليسا جائزة الوورد ميوزك أواردز ضمن فئة الفنانة الاكثر مبيعًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. شكّلت الأغنية التي حمل الألبوم اسمها، التي وصفتها إليسا بالسهل الممتنع في الحب، المزيج الحالم بين العتاب والمحبة، من كلمات وألحان محمد الرفاعي، وتوزيع جان ماري رياشي.
في مطلع العام 2006، صدرالألبوم الخامس لإليسا بعنوان بستناك، والذي ضمن لها جائزة الوورد ميوزك أوارد مرة أخرى، وللعام الثاني على التوالي، في إنجاز غير مسبوق في المشهد الموسيقي العربي. حقق الألبوم مبيعات تجاوزت وفقًا لشركة روتانا الـ3.7 مليون نسخة، وتُرجمت أغنياته إلى عدد من اللغات منها الهندية والتركية والبلغارية. حملت الأغنية الثالثة في الألبوم عنوان فاتت سنين، وهي الأغنية التي تركت أثرها الخاص لدى إليسا. "أنا لما اسمع فاتت سنين ما بحس إنو أنا صاحبة الصوت اللي عم بسمع فيه الأغنية" تذكر إليسا "هية كأغنية بحبا، ما بتذكرني بشي، مش عايشة حالة بتشبهلا، بس بحب لحنا، بحب كلاما."
في العام التالي، كشفت إليسا عن ألبومها السادس أيامي بيك، والذي ضمَّ 11 أغنية، نسخت للغات أخرى كسابقها. أغنية بتمون، والتي رغم حفاظ إليسا على هويتها الفنية فيها، إلا أنها قدمت نوعًا موسيقيًا يكاد يكون مجددًا بالنسبة للمرحلة الزمنية التي صدتر خلالها. شكّلت بتمون أولى تعاونات إليسا مع مروان خوري، وباكورة نجاحات متكررة بينهما. شرحت إليسا كيف دخلت الأغنية لبنانية اللهجة حينها قلوب المصريين على وجه الخصوص، إذ تمكنت من خلالها من كسر حاجز اختلاف اللهجات، لتصبح الموسيقى لغة موحدة عابرة للحدود.
حمل الألبوم السابع تصدق بمين معه أغانٍ عديدة لها ذكريات لا تنسى بالنسبة لإليسا، بدايةً بأغنية عبالي حبيبي، والتي شاءت الأقدار أن تنتهي بين يديها صدفةً فتسمعها وتتفاجئ بجرأة تعبيرها عن الحب على لسان أنثى، تعلن رغبتها بالارتباط وأمنيتها بإنشاء عائلة تجمعها مع حبيبها. وجدت إليسا في ع بالي واقعية في الطرح لم تتجرأ فنانة أخرى على الخوض به سابقًا كما شعرت أنها أغنية زفاف وفرح فأصرت على التدخل في التوزيع الموسيقي حتى وصلت إلى الحالة التي صدرت بها والتي جعلتها "أغنية رومانسية بامتياز".
بقيت الرومانسية طاغية على أغاني الألبوم الأخرى، إلا أن لكل أغنية قصتها ومشاعرها والواقع الذي تعكسه، فأغنية أمري لربي ورغم البؤس الذي أوصلته في كلماتها والحالة التي عايشتها، كان الإيمان صلب موضوعها، فعبرت عن حال لسان إليسا الإنسانة، والتي تلجأ لإيمانها كمصدر قوة لها في الحياة. أما أغنية من غير مناسبة التي كتبها نادر عبد الله ولحّنها وليد سعد، فكانت نقطة تحول في مسيرة إليسا وخطها الفني، إذ تطرقت من خلالها لقضية اجتماعية، وهي العنف الأسري. تقول إليسا: "خفت! أخدت معي ست أو سبع شهور لقررت غنيها... بعد هالأغنية انكسر معي حاجز إنو أنا بخاف موضوع جريء. من بعدا خلص ما بقا خاف اطرح ولا موضوع بالأغاني تبعي. زمن وقتا اكتشفت إنو فعلًا الفن رسالة".
سواءً في موسيقاها التي حملت رسائل اجتماعية، أو تلك التي حركت مشاعر مستمعيها أو متعتهم بإيقاعها الراقص، استطاعت إليسا أن تصل إلى جمهور متنوع عبر العالم، فظهر ألبومها الثامن أسعد وحدة في المرتبة 13 على قائمة بيلبورد للألبومات العالمية في تموز/ يوليو العام 2012. أما أغنية أسعد وحدة فتصفها إليسا: "أسعد وحدة كلا طاقة إيجابية كلا فرح. أنا بكل حفلة بغنيّا... الأغنية بتعمل حالة، أغنية مسرح بامتياز."
ومن الحالة الإيجابية، انتقلت إليسا إلى حالة حب، التي جاءت ضمن البومها التاسع وحملت اسمه، الذي تصدر قائمة بيلبورد للألبومات العالمية في آب/ أغسطس 2014 ليفتتح في المرتبة الثالثة ثم في المراتب السابعة والثانية عشر في الأسابيع التالية. كانت إليسا قد استمعت إلى أغنية حالة حب صدفةً أثناء زيارةٍ لها إلى تركيا، فلم تنسى لحنًا سمعته على الراديو، إلى أن عاد إليها بعد بحثٍ طويل، وتحصّل حقوق الأغنية لتعيد تقديمها بالعربية. تتذكر إليسا حكاية الأغنية بشغف، بقولها: "ما بعرف كم أغنية تركي سمعت لحديت ما وصلتلا." وبمجرد أن حصلت على حقوق الملكية الفكرية الخاصة باللحن، طلبت إليسا من نادر عبد الله أن يكتب لها الكلمات التي تتناسب معها، فهي تؤمن بأنها "توأم إحساسه" كما يلقبها، وبمجرد أن تصف له الحالة التي تود أن تعيشها في الأغنية، نادر هو من يفهمها.
الألبوم ذاته ضم أغنية برغم الظروف، التي كان لها مكانة خاصة في قلب إليسا كعدد من أغانيها التي لمست جانبًا من شخصيتها، لا سيما في جملة: "وضعف النفوس بيجي من ضعف الإيمان"، إذ تصف إليسا هذا الجزء بقولها: "هي أنا..." معبرةً عن إيمانها الثابت رغم الصعوبات والإنكسار.
عامًا تلو العام، وألبومًا تلو الآخر لم يعد اسم إليسا غريبًا عن قوائم بيلبورد، فدخل ألبومها العاشر سهرنا يا ليل القائمة إلى المرتبة الخامسة على قائمة الألبومات العالمية في تشرين الأول/ أكتوبر العام 2016. ظهرت أغنية مكتوبة ليك ضمن أغاني الألبوم ولم يرافق صدورها فيديو كليب أو حملات تسويقية، إلا أنها نجحت أن تجد بنفسها طريقها إلى الناس وتحقق النجاح المكتوب لها: "أسمى درجات الحب بتعيشيها بهالأغنية" تقول إليسا.
استمعنا إلى أغنية حكايات ضمن ألبوم إلى كل اللي بيحبوني الذي ظهر كذلك في المرتبة العاشرة على قائمة بيلبورد للألبومات العالمية في آب/ أغسطس العام 2018. كانت أغنية حكايات أيضًا من الأغاني القليلة التي لم تصورها إليسا كفيديو كليب، لكن وصلت من خلالها إلى عدد كبير من المستمعين حول العالم. فرغم حب إليسا لعدد كبير من أغانيها القريبة إلى قلبها، إلا أن حكايات هي الوحيدة التي تعترف بأنها تستمع إليها بشكل يومي، فلا تغفو إلا عليها. كتب أسامة مصطفى حكايات ولحّنها محمد يحيى وصدرت حاملةً أحاسيس تلخص قوة الحب بنظر إليسا.
احتفالاً بعامها الفني العشرين، وتأكيدًا على هويتها التي لطالما تمسكت بها سواء بعفويتها المتفردة أو بقوة شخصيتها، أطلقت إليسا ألبوم صاحبة رأي عام 2020، الذي تنوعت أغانيه الـ 18 بين اللهجة اللبنانية والمصرية، بل وشملت حتى أغنية باللغة الفرنسية. ضمن هذا الألبوم أغنية ذات طابع خاص، كتبت كلماتها سهام الشعشاع ولحنها محمد رحيم، وهي قهوة الماضي، التي أعادت إليسا فعلاً إلى الماضي وذكرياته، في حديثها عنها: "ما قدرت شوف فيا غير النوستالجي اللي بترجعني لبيي إن كان قبل وحتى بالحاضر."
ورغم اقتراب ذكرى احتفالها باليوبيل الفضي لمسيرة فنية ناجحة، بحلوها ومرها، تخللتها تجارب متنوعة للألوان المختلفة للبوب العربي، تصر إليسا على أنها لا زالت تشعر بأنها لم تقدم ما يكفي كي تتربع على عرش النجومية، دون مثابرة، فهي تلخص مسيرتها بقولها: "بعرف إني ناجحة، أكيد ما بقدر إنكر بس ما اكتفيت وما بدي إكتفي باللي قدمتو".