وثق فيلم ميكروفون الذي صدر في العام ٢٠١٠ من إخراج أحمد عبدالله، مشهد الأندرجراوند في مصر وتحديدًا مدينة الإسكندرية، التي شهدت هذه الفترة خروج عدد لافت من الموسيقيين والفرق المستقلة مثل مسار إجباري وماسكارا وفرقة الراب واي كرو. نقل هذا الفيلم معاناتهم اليومية مع الرقيب الموسيقي الذي لم يفهم هذه الموجة الجديدة، وعدم قدرتهم على تقديم حفلة في شوارع المدينة، لينتهي بذهابهم نحو شاطئ البحر حيث قدمت فرقة مسار إجباري أغنية "مفيش حاجة".
كانت الفرقة قد بدأت مشوارها في ٢٠٠٥، لكنه كان الظهور الرسمي الأول لها في السينما المصرية. بعد هذا الظهور بدأت الفرقة بتقديم ألبومات على مدار عقد كامل، تطورت فيه هويتها الصوتية والبصرية، ونقلت معها مشهد الإندي إلى مستوى جديد في مصر والمنطقة. نستعرض فيما يلي هذا التطور عبر أربعة ألبومات قدمتهم مسار إجباري خلال هذه المسيرة.
ألبوم اقرأ الخبر
خرج هذا الألبوم سنة ٢٠١٣ وارتبط بعوامل اجتماعية وسياسية، على الرغم من أن الفرقة كانت قد قدّمت بعضًا من أغانيه في حفلاتها، إلا أن إنتاجه أكد على وجود خط فنّي متين اعتمدت عليه خلال العمل على كل أغنية. كان توقيت صدور هذا الألبوم بعد ثورة ٢٥ يناير بسنتين نقطة إيجابية لصالحه، خاصة وأن الشارع المصري كان متعطشًا وقتها لصوت الشباب الجديد. قد تكون أغنية "أنا موجود" الشاهد الأكبر على هذا الصوت "أنا موجود صوتي أقوى من البارود" من كلمات لآمار مصطفى، بينما لعب الجيتار دورًا مهمًا في توزيعات إصدارات مثل "ماتخافش من بكرا" والتي كانت فاتحة التعاونات مع الشاعرة دعاء عبد الوهاب، كما قدمت الفرقة أولى كليباتها "حاوي". أما أغنية الألبوم الرئيسية فكانت الهيت التي عرَّفت مسار على الجمهور في المنطقة، خاصةً وأنها حكت عن الهجرة بطريقة تهكمية اقتربت من الكوميديا السوداء. لم يكن الألبوم مليئًا بالآمال والدعاوي الإيجابية فقط بل حمل أيضًا نفحة تشاؤم نقلت مشاعر الشباب ما بعد الثورة ويمكن القول أنه وثق هذه الفترة بتقنيات موسيقية عالية.
ألبوم تقع وتقوم
عادت الفرقة مع ألبوم "تقع وتقوم" في ٢٠١٥، والذي ارتبط أكثر بهوية مدينة الإسكندرية، وحضرت تأثيراتها في أغلب الأغاني، إن كان من الناحية الموسيقية التي زادت فيها الجمل اللحنية الشرقية، أو من ناحية الكلمات التي تناولت المجتمع المصري بسقوطه وصعوده كما يقول العنوان. حمل هذا الألبوم عددًا من الأغاني الرومانسية المختلفة عما عهده السوق المصري وقتها، خاصة في أغاني مثل "قلبك ده عنواني" وهي تعاون جديد مع الشاعرة دعاء عبدالوهاب، أو "صباحك سكر" من كتابة محمد ابراهيم. لحن المغني الرئيسي هاني الدقاق جميع أغاني الألبوم بينما ساهم العازفون من باقي أعضاء الفرقة بالتوزيع. حمل هذا الألبوم عملًا فنيًا مختلفًا حيث ظهر أعضاء الفرقة الخمسة في جو سوداوي قاتم من تصميم أحمد عماد الدين الذي سبق وتعاون مع بينك فلويد على تصميم غلاف ألبومهم الصادر في ٢٠١٣ "the Endless River". حققت أغاني مثل "زيّك أنا" شهرة في المنطقة خاصة وأنها صوّرت بين بيروت والإسكندرية وكشفت عن التشابه بالشكل والعمارة والبحر بين المدينتين.
ألبوم الألبوم
حافظت مسار إجباري على تشكيلتها الأساسية منذ انطلاقتها، وساهم العازفون فيها بدور بارز من لاعب الكيبورد أيمن مسعود إلى محمود صيام على الغيتار، وتامر عطا الله على الدرامز وأحمد حافظ على الباص، مع تداخل عدد من العازفين من خارج الفرقة في بعض الأغاني. تطور صوت الإندي روك في هذا الألبوم حيث طوّعته الفرقة بخدمة خامة صوت هاني الدقاق الشرقية، وظهر تمرّس الآلات من هذا الأسلوب. إلى جانب الأسلوب الصوتي، قدمت الفرقة خطوة ذكية جدًا وهي إخراج فيديو كليب لكل أغنية من الألبوم، ما بلوّر الهوية البصرية التي نقلت الكلمات واللحن خاصة في كليب "فاكرة". كتب كلماتها تامر مهدي وغرقت بثيمة الشاعرية والنوستالجيا، مع جمل لحنية شاعرية مع آلات البزق والكلارينت. استثمرت الفرقة بصوت جديد في "صياد"، من الكلمات إلى الأداء المبتكر مع هاني الدقاق وقفت الأغنية بين الإيقاعات المتشعبة المصرية وصوت الإندي الحاضر في الخلفية. تابعت الفرقة سردية الحكاوي والأمل في "نهاية الحكايات" التي اعتدنا عليها في أسلوب مسار، وكأنها نسخة مطورة ومعدلة عن أغنية "لسه الدنيا" من ألبوم "تقع وتقوم".
ألبوم نص الحاجات
في آخر ألبوماتها "نص الحاجات" سنة ٢٠٢٢، اعتمدت الفرقة على تنزيل الأغاني متفرقة في فترات زمنية متباعدة، وقد حمل الألبوم تعاونات جديدة على سبيل الكلمات، بينما حملت كل أغنيّة جوًّا خاصًا من ناحية الموسيقى مع الإبقاء على الروح الأساسية للفرقة. تعاونت مع محمد البحيري في كلمات الأغنية الرئيسية "ما تبص بصة عالي فات"، والتي جاءت كأنها مراجعة شخصية ونفسية لعقدٍ مضى. عاد صوت الجيتار الكهربائي للظهور أكثر في هذا الألبوم مرافقًا الإيقاعات شرقية، ما أعادنا بنوستالجيا إلى مرحلة التجريب في مسيرة الفرقة. تداخلت التأثيرات الإلكترونية في "بقيت غريب" وهي أكثر أغاني الألبوم التي حققت نجاحًا، حيث أعادتنا إلى ثيمة الغربة والوله في العلاقات في العاطفية. تابعت الفرقة تنزيل الأغاني وقدمت أغاني مثل "حبة طبطبة" مع دياب والتي اعتمدت على صوت الكيبورد الشعبي، بالإضافة إلى "كلمة" التي عادوا فيها للتعاون مع آمار مصطفى وشاركتها بالغناء بستان مجدي، وكانت هذه أغنية الإنترو لمسلسل الهرشة السابعة. لم يحمل هذا الألبوم خطًا واضحًا من الناحية الإنتاجية، لكنه كشف عن عودة الفرقة إلى مرحلة التجريب مع جنرات متشعبة وتأثيرات من الإلكترونيك والشعبي والروك.
طوال مسيرتها الفنية، نجحت فرقة مسار إجباري في تقديم صوت مميز وجديد في مشهد الموسيقى العربية، إن كان خلال هذه الألبومات الأربعة أو عبر إصدارات منفردة مثل "كانت هتفرق في الوداع" و"شيروفوبيا". من بداياتها المتواضعة في مكتبة الإسكندرية وساقية الصاوي، إلى تقديم حفلات ضخمة في المشاركة في مهرجانات كبيرة، تمكنت مسار إجباري من الحفاظ على هويتها الفنية الفريدة مع مزج التأثيرات الموسيقية المتنوعة. قدمت الفرقة تجربة موسيقية تحمل في طياتها مشاعر الصعود والهبوط، الحب والفراق، الأمل واليأس، مما جعلها تتربع على عرش قلوب الكثيرين وتترك بصمة لا تُنسى في مشهد الإندي وعالم الموسيقى العربية.