في أغسطس/ آب من العام الماضي، سجّل اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو هدف النصر الثاني في مرمى الخصم في إحدى مباريات الدوري السعودي للمحترفين، وسرعان ما التقطته كاميرا الملعب وهو يحتفل راقصًا على طريقة العرضة السعودية. لاقت هذه اللقطة تفاعلًا كبيرًا من الحشود وعبر التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، حيث أحيت في الذاكرة هذا النوع الفريد من الرقص الفلكلوري الذي لا يزال تعبيرًا فريدًا عن التراث والثقافة، وجزءًا لا يتجزّأ من الهوية الشعبية السعودية.
ظهرت العرضة عبر التاريخ كأداء استعراضي يمزج بين الفن والتقاليد، وحملت معها قصة طويلة تعود لعدة قرون، حيث تذكر بعض المصادر كونها في الأصل نوعًا من أنواع الأغاني الحربية، وهذا ما يفسر إيقاعات الطبول القوية وحركة السيوف السلسة التي تشكّل العناصر الرئيسية للعرضة. تأتي هذه العناصر كتعبير عميق عن الهوية الوطنية، واستعراض للأمجاد التي بلورت هذا الفن بالشكل الذي نشهده اليوم. وكونه فنًا يحتفي بالنصر، فإن زيّ العرضة يتميز بألوانه الزاهية والتصاميم التقليدية، ويتضمّن للرجال المردون والدقلة والمحزم والجنبية، والتي يرتديها المنشدون في المناسبات الوطنية المختلفة، أبرزها العيد الوطني ومهرجان الجنادرية.
تؤدى العرضة السعودية من قبل صفّ من المنشدين الذين يتحركون بتناغم وإتقان، حاملين سيوفًا فيما يتمايلون بها من جهة إلى أخرى بصحبة أبيات شعرية وإيقاعات عالية، تُضرب باستخدام أحجام مختلفة من الطبول. تتضمن العرضة كذلك آلات موسيقية تقليدية مثل الطنبور والربابة، والتي تلعب دورًا كبيرًا في تأجيج الأجواء الاحتفالية وإشعال الحماس. يذكر صالح عبد الواحد، وهو أحد أهم مؤديي ومدرّبي العرضة، أنها فن أدائي تراثي يجب أن يدرَّس كذلك للأجيال القادمة، كي يذكرهم بتاريخ المملكة والتضحيات التي مرّت بها وتمّ توثيقها من خلال هذا الموروث.
من أبرز الأبيات التي تمّ تلحينها على وقع العرضة هي قصيدة "مني عليكم ياهل العوجا سلام" للشاعر محمد العوني، والتي ارتبطت بيوم معركة البكيرية في العام 1904. ظلت العرضة تجسّد الحماسة والابتهاج في آن واحد، وتوثق لحظات فارقة في التاريخ السياسي والثقافي للمملكة لتحضر في سائر المناسبات الوطنية، يظهر ذلك في قصيدة "دار ياللي سعدها تو ما جاها" وقصيدة "نحمد الله جت على ما نتمنى" من كلمات الشاعر عبد الرحمن بن صفيان، التي أعيد تقديمها في عرضة "سلايل" التي أنتجتها أوركسترا العرضة السعودية.