المراجعة الكلاسيكية: ألبوم إنت العزيز لـ عبدالمجيد عبدالله

نعود في المراجعة الكلاسيكية لهذا الأسبوع إلى العام 2000، لنُحلل ألبوم "انت العزيز" لعبد المجيد عبدالله الذي شكل علامة مميزة في مسيرته
No Image
Change Font Size 20

ليس من السهل اختيار ألبوم واحد لعبد المجيد عبدالله لمُراجعته، فغزارة إنتاجه الفني والجودة العالية التي تمتعت به أغانيه عبر المراحل المختلفة التي مرّ بها في مسيرته، تجعل الأمر بالغ الصعوبة. خاصةً وان عبدالمجيد عبدالله يملك 67 ألبومًا، أغنى بها أرشيف الموسيقى الخليجية مُنذ منتصف الثمانينات وحتى اليوم، خلال مسيرته الممتدة لأكثر من أربعين عامًا. مرّ مع هذه الألبومات بخمسة محطات رئيسية، تغيّرت خلالها ملامح مشروعه الفني وازدادت غنى وجمالًا، وفي كل محطة توجد العديد من الأغاني الأيقونية والألبومات التي تستحق الوقوف عندها، كألبوم "سيد أهلي" من المرحلة الأولى التي ارتبط فيها مشروع عبدالمجيد عبدالله بتعاونه مع الملحن سامي إحسان، أو ألبوم "عاتب" من المرحلة الثانية التي رسم خالد الشيخ الخطوط الرئيسية لملامحها. لا تزال معظم هذه الألبومات والأغاني تحتفظ ببريقها، وتزداد جمالًا وتتخمر كلما تعتّقت، لنجد أنفسنا نرددها وندخل بحالة نوستالجية بمجرد سماعها، ولاسيما الأغاني التي قدمهها خلال المرحلة الثالثة من مسيرته، والتي اقترنت بشكل أساسي بالملحن صلاح الشهري؛ ففي هذه المرحلة قدّم أغانيه الأكثر جمالًا وقدرةً على مقاومة الزمن، مثل "طيب القلب" و"رهيب" و"روحي تحبك" وغيرها. ومن هذه المرحلة سنختار ألبوم "إنت العزيز"، الذي قد يكون أكثر ألبومات عبدالمجيد عبدالله تكاملًا وجمالًا فيها.

كان ألبوم "إنت العزيز" الألبوم الأربعين في مسيرة عبدالمجيد عبدالله، وقد أصدره في العام 2000. جاء كل مافي هذا الألبوم استثنائيًا، ولا يتعلق ذلك بالأرقام الصحيحة التي أعطته طابعًا احتفاليًا بحد ذاتها، وإنما بمحتوى الألبوم وكل التفاصيل المتعلقة به؛ ففيه كسر عبدالمجيد عبدالله العديد من القواعد التي وضعها لنفسه، ومهّد به للانتقال إلى مرحلة جديدة من مسيرته، كانت الأكثر تنوعًا. القاعدة الأولى التي كسرها ألبوم "انت العزيز" تتعلق بمدة الألبوم وعدد أغانيه، فهو كان الألبوم الأطول بالمقارنة مع ما سبقه من إصدارات؛ إذ ضمَّ 13 أغنية، ولم تقُل مدة أي أغنية بينها عن خمسة دقائق، ليتجاوز طول الألبوم 70 دقيقة، فيكون الأطول زمنيًا أيضًا. ومع ذلك فإن الوقت معه يمضي سريعًا، بسبب جمال الأغاني وخفتها وتنوعها.

تفيض أغاني الألبوم بالمشاعر الرومانسية الدافئة، ولاسيما في الأغاني الثلاث التي لحّنها صلاح الشهري، حيث يعرف جيدًا كيف يتعامل مع صوت عبدالمجيد عبدالله الاستثنائي، الذي يمنح المستمعين مشاعر الراحة والإلفة. برزت من بينها "متغيّر علي" التي كتب كلماتها عبدالله الأسمري، ووزعها طارق عاكف، وغنّاها عبدالمجيد عبدالله بصوت هادىء ذي وقع مريح عند المستمعين يُسيطر على وجدانهم، رغم الحزن الكامن في كلمات الأغنية، التي تبدو كمحاولة أخيرة يائسة في علاقة حب شارفت على نهايتها. لكن صوت عبدالمجيد عبدالله الرقيق الذي يرجو التهدئة، يُعطي بريقًا من الأمل ويجعلها تبدو كمعاتبة رقيقة.

تؤدي أغنية "علمني" التي كتبها سعود عبدالله بن محمد ولحّنها صلاح الشهري أيضًا دورًا مُشابهًا، فهي تبدو مُناجاة يُستجدى فيها الدواء من الداء: "علمني امسح دمعتي وأتوب/ علمني أزعل منك ولو مرة". لكن المعادلة التي تؤدي كل حلولها إلى فتح أبواب الحزن، لا تبعث على الكآبة بقدر ما تبعث من مشاعر روحانية دافئة، لتبدو المُجاهرة الاستباقية والتوق للحزن الحتمي بصوت عبدالمجيد عبدالله الرقيق تفريغًا لجرعة عالية من الكآبة، لتنتهي الأغنية بالوصول لحال أفضل.

لا يختلف الحال كثيرًا في الأغنية الثالثة والأخيرة التي تعاون بها عبدالمجيد عبدالله مع صلاح الشهري، "شايف نيتك"، كتب كلماتها سامي الجمعان، وهي الأغنية الوحيدة بين كل أغاني الألبوم من توزيع رابح صقر، بينما تكفّل طارق عاكف بتوزيع باقي أغانيه. في هذه الأغنية يُقدم عبدالمجيد عبدالله واحدة من أجمل أغاني التجاوز، التي يتخطّى بها حكاية عاطفية مُرهقة، ولكن الأداء واللحن اللذان يتمتعان بالخفة، يجعلان كلمات الأغنية تغدو أكثر لُطفًا وأقل كآبةً.

ومن التعاونات المميزة في ألبوم "انت العزيز" كان التعاون مع الملحّن مشعل العروش؛ الذي لحّن ثلاث أغانٍ في أول تعاوناته مع عبدالمجيد عبدالله، بما فيها "إنت العزيز" التي تحمل اسم الألبوم، بالإضافة لأغنيتي "العزيزة" و"كفكف"؛ التي اعتمدت على كلمات من التُراث. حملت هذه الكلمات الحوارية الكثير من الصد والرد، وكان من المثير حقًا الاستماع إليها مع لحن خفيف وصوت عبدالمجيد عبدالله، الذي حوّل الحوار الذي يُفترض أن نسمعه بأصوات متعددة، إلى أبيات شعرية نابضة بكل المشاعر بصوت أحادي.

وتبرز من بين أغاني الألبوم أيضًا أغنية "تشطّر عاد وافهمها"، التي كتبها علي الفضلي ولحّنها يعقوب الخبيزي، ففيها يُقدم عبدالمجيد عبدالله واحدة من أجمل أغاني المُصارحة بمشاعر الحب، حين يحث المحبوب على إعادة قراءة الإشارات غير المباشرة السابقة، لاستنتاج ما يجب أن يكون بديهيًا: "كلامي اللي أنا قلته/ وهالورد اللي أرسلته/ ولاحسيت أبد إنت/ تشطر عاد وافهمها/ أحبك يعني مو داري/ ولا حسيت في ناري/ كفاية تشغل أفكاري/ تشطر عاد وافهمها".

وأما الأغنية الأكثر إثارةً وحركية بين كل أغاني الألبوم، فهي "ادلع يا كايدهم"، التي كتبها علي الفضلي أيضًا ولحَنها الفيصل؛ ففيها يعلو الرتم ويُقدم عبدالمجيد عبدالله أغنية مختلفة شكلًا وجوهرًا عن باقي أغاني الألبوم، فهي الأكثر خفة ودلع فيها. وفيها أيضًا تبرز جماليات توزيع طارق عاكف الذي نقل إلى ألبوم "انت العزيز" نغمات البوب المصري التسعيناتية وأعاد تكوينها في قالب الأغنية الخليجية؛ لتكون الفواصل الموسيقية بين مقاطع الأغنية هي الأجمل على الإطلاق، حين نسمع أصوات الوتريات التي تتداخل مع أصوات مفاتيح الأورغ التي تُحاكيها، لتبدو وكأنها تُجري محاورة بين النسخة والأصل.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع