نسافر في المراجعة الكلاسيكية هذا الأسبوع إلى العام 2003 الذي شهد العديد من البدايات الناجحة لكثير من نجومنا الحاليين مثل أحمد سعد ومحمد حماقي. في الوقت ذاته كان وائل جسار النجم الصاعد الذي بدأ بتكوين قاعدة جماهيرية، يصدر الألبوم الخامس في مسيرته الفنية بعنوان "الله يخليهم" إذا استثنينا ألبومي "كلمة وداع" و "زي العسل" اللذان قدمهما في الثمانينيات وكان وقتها ما زال طفلًا. ابتعد بعدها فترة وتوقف عن الغناء ليتخطى فترة التغيرات الصوتية التي تطرأ على الشبّان في سن المراهقة، وعاد مرة أخرى ليكمل مسيرته المهنية وهو شاب بألبوم "ماشي" عام 1996.
وائل جسار بين المصري واللبناني
ضم ألبوم "الله يخليهم"، أو "خدتوا إيه" كما يعنون على بعض منصات الاستماع، عشر أغنيات، وتنوعت اللهجات فيه بين المصرية واللبنانية، وإن غلب على أغلب الأغنيات الطابع المصري، وذلك بعد النجاح الكبير الذي حققه في ألبومه السابق "الدنيا علمتني". افتتح الألبوم بالأغنية التي حملت اسمه "الله يخليهم"، وجاء فيها عتاب ممزوج بالألم من الحبيب الذي تسبب في جرحه ومازال يسكن قلبه فيحاول مواساة نفسه. قدَّم ذلك بتوزيعات مستوحاة من موسيقى الروك التي أتاحت مساحة كبيرة للإبداع للجيتار الكهربائي الذي أثرى الأغنية بمقطوعات منفردة في الفواصل، أما صوت وائل فانتابته نبرة حزن وملأت صوته طوال الأغنية حتى شعرنا أنه على وشك البكاء. كتب كلمات الأغنية محمد ماضي ولحّنها نقولا سعادة نخلة ووزعها سمير دياب.
أما اغنية "قولوا لطبيبي" التي جمعت بين الإيقاعات الغربية والشرقية، فصوّر من خلالها وائل نفسه وقد أعياه الهوى وجعله يذهب للطبيب ليخبره أنه لا يريد دواءً، فقط يكفيه رجوع حبيبته إليه. كانت المبالغة في الحب نهجًا يتبعه العديد من الشعراء حينها، وربط بين انكسار القلب والحاجة للطبيب المداوي، وهي نفس الثيمة تقريبًا التي قدّمها سابقًا جورج وسوف في أغنية "طبيب جراح".
بصمات وائل جسار الطربية
تربّى وائل على الطرب الأصيل فاعتاد أن يغني في صغره لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وقدَّم في هذا الألبوم أكثر من أغنية بوب بلمسات طربية مثل "لا بعدك حبيبي". كتب كلماتها مصطفى مرسي ولحنها وليد سعد، وهما نفس فريق عمل أغنية "الدنيا علمتني" التي شهدت نجاحًا كبيرًا وعرفت الجمهور المصري أكثر بوائل، كما شاركا في هذا الألبوم بأغنية أخرى هي "بعتب عليك".
تتيح التوزيعات الطربية استعراض الإمكانيات الصوتية، ولأن إمكانيات وائل الأدائية مبهرة، فقد بدت مثل هذه التوزيعات لائقةً له، مثل أغنية "قلبي انكوى" التي دارت حول مدى حبه وصدقه وإخلاصه. ينطبق الأمر ذاته على "صدق وصدقني" التي يغلب عليها طابع أغنيات التسعينيات والتوزيعات المميزة لتلك الحقبة، خصوصًا التي قدمها صلاح الشرنوبي لنجوم الطرب، مثل وردة و ميادة الحناوي، كما ذكرتنا برائعة طلال سلامة "راضيناك"، لنكتشف أن القاسم المشترك بينهما هو موزع الأغنية طارق عاكف.
شارك نقولا سعادة نخلة في هذا الألبوم بخمسة ألحان، من بينها "والله ما قالولي" التي كتب كلماتها محمد ماضي ووزعها جاك حداد. يعاتب فيها وائل المحيطين به حيث أخفوا عنه أن حبيبته تشتاق اليه في حين ظن أنها بالفعل نسيته، وهم يعلمون مدى سوء حالته في البعد. طغى على التوزيعات الطبول والدفوف والآلات الوترية التي برزت بقوة في الفواصل.
صوَّر وائل أغنية واحدة من الألبوم هي "ع الجمر" مع المخرج باسم كريستو، وكانت مليئة بالتجريب سواء من ناحية الصورة التي استُعمل فيها الجرافيكس، أو من حيث الموسيقى التي غلب عليها الموسيقى الإلكترونية الراقصة مع بعض الإيقاعات الشرقية المتمثلة في الدفوف، ضمن أسلوب مجدّد في بدايات الألفية. استمر وائل على نفس المنوال من الاستجداء في الحب وشرح حالته التي يعيشها المليئة بالعذاب وهو يصفها بدقة كدليل على صدقه. لاقت الأغنية جماهيرية كبيرة مع عرض الفيديو على قنوات الأغاني الفضائية، وقد كتب كلمات الأغنية حسان المنجد ولحنها نقولا سعادة نخلة ووزعها روجيه خوري.
نجاحات وائل جسار مستمرة بعد عقدين
أما التذكرة الرابحة فكانت من نصيب أغنية "خدتوا ايه" المحققة في يومنا هذا أكبر نسبة مشاهدة في هذا الألبوم على يوتيوب بعد مرور عقدين على صدورها. كتب كلماتها فوزي إبراهيم ولحنها أمجد العطافي ووزعها يحيى الموجي، وقد سبق للثلاثي أن تعاونوا مع وائل بأكثر من أغنية. يستكمل فيها سرد عذاباته بعدما تعتّب على من تسببوا في الفراق بينه وبين حبيبته: "ياترى عذابنا ريحكم/ ولا بكانا فرحكم/ ولا الفراق داوى جراحكم"، أما على صعيد الموسيقى، فهي توليفة من الإيقاعات الشرقية برزت فيها الكمانات مع ظهور القانون في الفواصل الموسيقية.
اختُتم الألبوم على طريقة النهايات السعيدة في الأفلام، وكما بدأه مع الشاعر محمد ماضي والملحن نقولا سعادة نخلة، ينهيه بأغنية "ضحك الزمان". فبعدما سرد جراحه وآلامه ومخاوفه، نشعر في نهاية الألبوم أنه التقى حبيبته وجهًا لوجه، لينسى كل ما تم ذكره من عذابات سابقًا، ويبقى فقط الحب الممزوج بالخوف من أن يفرقهما المستقبل، ومع ذلك جاء الإيقاع مفعمًا بالبهجة والسرور.