ما إن تُشغل على مسامعنا موسيقى تتر مسلسل مألوف، حتى ينتابنا شعور غريب، فيه مزيج من الحنين والارتباط العاطفي، حتى لو لم نكن من متابعي المسلسل. فالكثير من الأغاني عبر العقود الماضية، تجاوزت حدود الدراما التلفزيونية وانفصلت عن سياقها الأصلي، وتحولت إلى أعمال مستقلة نعيش في الذاكرة الجمعية للجمهور.
في هذه القائمة، يستعيد كتاب فريق بيلبورد عربية من ذاكرتهم وتفضيلاتهم الشخصية، تترات مسلسلات لم تبق مجرد مقدمات درامية، بل أصبحت أيقونات موسيقية بحد ذاتها، تسمع بشكل منفصل عن العمل الذي صنعت لأجله، وتعيش في القلوب والوجدان بعيدًا عن الشاشة.
اختيارت عمر بقبوق
يا روح لا تحزني - طارق الناصر - مسلسل نهاية رجل شجاع (1994)
المسلسل الذي اقتبس حكايته من رواية لحنّا مينا، وأخرجه نجدة أنزور، نقلت أغنيته صوت أمواج البحر وآهات البحارة والصيادين وأحلام وخيبات الناس البسطاء الذين يعيشون في القرى الساحلية السورية.
حين عرض "نهاية رجل شجاع"، كانت أغاني التترات في المسلسلات السورية لا يتعدى انتشارها حدود انتشار المسلسل. إلا أن الجمهور التقط فرادة الأغنية، التي أعاد طارق الناصر تقديمها مرارًا مع فرقة رم، بعد أن تحولت الأغنية إلى واحدة من الأغاني الأيقونية في الثقافة الشعبية، وتكاد تكون الأغنية السورية الأشهر في حقبة التسعينيات.
ورغم الاهتمام المتزايد بأغاني التترات بعدها، تبقى أغنية "يا روح لا تحزني" واحدة من أبرز التترات في تاريخ الدراما العربية، مع ارتباط وجدان المشاهدين بشخصية "مفيد الوحش"، التي جسدها أيمن زيدان، والتي تكشف بتحولاتها مواطن الضعف والقوة في النفس البشرية، ويعزز جمال الحالة كلمات الأغنية: "يا روح لا تحزني/ يا قلب ضلك هني/ زوار جينا عالدني/ والعمر بحر ونهار".
هذي دمشق - أصالة نصري - تتر مسلسل نزار قباني (2005)
أُنتج مسلسل "نزار قباني" عام 2005، واختيرت "القصيدة الدمشقية" لتعكس العلاقة المعقدة التي جمعت نزار قباني بمدينته دمشق، التي عاش بعيدًا عنها كأنه في منفى. غنّت أصالة الأغنية، فكانت الأجمل بين ثلاث أغنيات أدّتها من كلمات نزار قباني، إلى جانب "اغضب" و"من أين يأتينا الفرح".
لم تكتفِ "هذي دمشق" بتجاوز المسلسل بنجاحها، بل أصبحت واحدة من أجمل الأغنيات التي قُدمت في حب دمشق على الإطلاق. وما زاد من رمزيتها أنها تحوّلت إلى قدر أصالة نفسها، التي وجدت نفسها لاحقًا بعيدة عن مدينتها، في منفى فرضته مواقفها المعارضة للنظام السوري السابق. وحين واجهت موجة تخوين، جمع محبوها ألبومًا لإثبات وطنيتها، وكانت القصيدة الدمشقية "هذي دمشق" أولى أغنياته، كأنها شهادة حب ووصل لا تنقطع بينها وبين مدينتها.
لو - إليسا - تتر مسلسل لو (2014)
عُرض المسلسل اللبناني- السوري المشترك "لو" قبل حوالي عشر سنوات، وقدمت إليسا أغنية الشارة التي كتبها ولحّنها مروان خوري بصوتها. كان التتر نقلة نوعية بعالم تترات المسلسلات، فإلى جانب نجاح الأغنية وانتشارها على نطاق واسع، تميز التتر بالكليب المرافق له، والذي يُقدم حكاية المسلسل المقتبس عن الفيلم الأمريكي "Unfaithful" بطريقة رمزية، بمشاركة نجوم المسلسل عابد فهد وندين نجيم ويوسف الخال.
تعلقت إليسا بالأغنية، ورغبت أن تضمها لألبومها "حالة حب" الذي صدر بالعام ذاته. لكن ذلك أدى لنشوب خلاف بين وبين مروان خوري الذي رفض التنازل عن حقوق ملكية الأغنية، وقام بإصدار الأغنية لاحقًا كأغنية منفردة بصوته، ليزداد الجدل حولها، وتزداد شهرتها.
علي الديك - تتر مسلسل ضيعة ضايعة (2008)
في سنة 2008، عُرض واحد من أجمل المسلسلات الكوميدية السورية على امتداد تاريخها؛ "ضيعة ضايعة"، للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو. قدّم أغنية التتر فنان الأغنية الشعبية الساحلية علي الديك، في أولى تجاربه في التترات، ليساهم بترسيخ أجوائه الفريدة.
حملت الأغنية طابعًا فلكلوريًا بسيطًا وجاءت كلماتها عفوية لتُعبّر عن حب الضيعة رغم قسوتها، وعكست بأسلوبها الشعبي طبيعة الحياة في القرى الفقيرة والمهمشة في الساحل السوري، حيث تجري أحداث المسلسل في قرية أم الطنافس الفوقا الخيالية، التي تبدو صورة رمزية لكل القرى المعزولة والمعمشة في المنطقة.
وبصوته القوي وأدائه الحيوي، نجح علي الديك في إيصال روح الضيعة بحيوية ومرح، وساهم التتر في نقل صورة حقيقية عن القرى الساحلية السورية، التي نادرًا ما كانت تُسلط عليها الأضواء في الدراما السورية.
اختيارات نورهان أبو زيد
وائل جسار- النهاية واحدة / تتر مسلسل أريد رجلًا (2015)
الأغاني الدرامية لطالما وجدت طريقها إلى قلبي، ومن بينها "النهاية واحدة" لوائل جسار، التي حققت نجاحًا لافتًا منذ إصدارها عام 2015 مع عرض مسلسل "أريد رجلًا". لم تقتصر شعبية الأغنية على متابعي المسلسل فقط، بل أحبها الجمهور على نطاق واسع، حتى أولئك الذين لم يشاهدوا العمل، وصار الجمهور ينتظر أداء وائل جسار لها في حفلاته بفارغ الصبر.
وفي عام 2016 قدمت أنغام أداء حيًا رائعًا للأغنية، خلال إحدى حفلات مهرجان الموسيقى العربية، في لحظة استثنائية زادت من ارتباط الجمهور بها. الأغنية من كلمات أيمن بهجت قمر، ألحان مدين، وتوزيع عادل حقي.
مشاعر - شيرين عبد الوهاب - تتر مسلسل حكاية حياة (2013)
صدرت الأغنية كتتر عام 2013، إلا أن نجاحها تخطى المسلسل نفسه، محققة أكثر من 300 مليون مشاهدة. الأغنية من كلمات أحمد مرزوق وألحان الراحل محمد رحيم، ورغم ارتباط كلماتها الوثيق بأحداث المسلسل، إلا أن إحساس شيرين الطاغي جعلها تلامس كل من يسمعها.
ورغم الجدل الذي أحاط بالعمل الدرامي بسبب الخلافات بين غادة عبد الرازق والمخرج محمد سامي، إلا أن الأغنية استطاعت تجاوز كل ذلك، لتظل واحدة من أبرز التترات التي تركت بصمة في وجدان الجمهور.
علي الحجار- تتر بداية مسلسل الشهد والدموع (1983)
"كلنا من أم واحدة أب واحد دم واحد بس حاسين باغتراب" إحدى أبرز مميزات أشعار سيد حجاب هي قدرته على الغوص في أعماق النفس البشرية، وكأنه شاعر برؤية فيلسوف، يمتلك منظوره الخاص عن الحياة والإنسان والعقبات التي يواجهها. ومن وجهة نظري الخاصة، فقد تجلت خلاصة حكمته في تتر بداية مسلسل "الشهد والدموع" عام 1983، حيث استلهم كلماته من صراعات القصة، محولا أحداث المسلسل إلى أبيات علقت في الأذهان.
اكتمل سحر التتر بصوت علي الحجار، الذي نقل إحساسه بانسيابية، إلى جانب لحن عمار الشريعي، الذي له بصمة فريدة تميزها من أول لحظة. ورغم أن علي الحجار قدم العديد من التترات من كلمات سيد حجاب، إلا أن "الشهد والدموع" ظل له مكانة خاصة في وجدان الجيل الذي عاصره في طفولته.
أحمد سعد - ادعوله في الحرم - تتر مسلسل شارع عبد العزيز (2011)
تُعد أغنية "ادعوله في الحرم" واحدة من أكثر التترات المظلومة جماهيريًا ضمن أعمال أحمد سعد، رغم تفردها وتميزها.
صدرت مع مسلسل "شارع عبد العزيز" عام 2011، وقتها كان صوت أحمد سعد حاضرًا بقوة في العديد من الشارات وأغاني الأفلام، محققًا نجاحات ملحوظة، لكنه لم يكن بعد قد وصل إلى مستوى الشهرة والانتشار الواسع الذي يحظى به اليوم.
كتب الأغنية جمال بخيت، ولحنها أحمد سعد بنفسه، ليصنع منها توليفة موسيقية مختلفة تتنوع جملها اللحنية، تبدأ الأغنية بابتهال بالفصحى، حيث يناجي البطل الله طالبًا التوبة، بينما تأتي في الخلفية موسيقى غربية يطغى عليها الجيتار الإلكتروني، وتدور الكلمات العامية حول رثاء حال البطل، فتعكس صراع الإنسان مع الدنيا وظلمها له.
اختيارات هيكل الحزقي
يا ليام كفاية - لطفي بوشناق - شارة مسلسل غادة (1994)
شكّل مسلسل غادة الذي بثّ في رمضان 1994 نقلة نوعية في الدراما التونسية جودةً وإخراجًا. جمع المخرج محمد الهادي سليمان أهم الوجوه التمثيلية في الساحة مع أسماء صاعدة وقتها فرضت نفسها في المشهد الدرامي لسنوات طويلة فيما بعد.
بجانب حبكته المتقنة التي تناولت نهايات الفترة الاستعمارية في تونس والتمزقات التي ضربت الريف والمدينة، ميّزت المسلسل أغنية شارة جذابة جمعت بين الثنائي لطفي بوشناق وآدم فتحي اللذان شكّلا عنوانًا قويًا لمشهد التعاونات الموسيقية طيلة أكثر من عقدين من الزمن. بثّ آدم فتحي روحًا مجدّدة في الشعر الغنائي بعد فترة طويلة من الفراغ، فيما برز لطفي بوشناق منذ الثمانينات كإسمٍ واعد ومتمكّن من مختلف مدارس الطرب.
بقي آدم فتحي وفيًا لبساطة مفرداته وسلاسة صوره في أغنية المسلسل ليترجم حالة الضّيم التي عانى منها الأهالي خلال فترة الاستعمار. تخلّص الشاعر من العادة الدارجة في استعمال اللسان المفرد للتعبير عن حالة التشكّي واللوعة، وجعل من نون الجماعة المخاطب الأساسي بوجه "ليّام" التي تمرّ ثقيلة وموجعة في إحالةٍ إلى اشتراك المجموعة في المحن وللتعبير عن الهمّ الجماعي الذي كان يجمع الأهالي بوجه الاستعمار من دون استعمال لغة مباشرة وفجّة.
تمكّن لطفي بوشناق من تمرير تلك الحمولة العاطفية ملوّنًا أداءه مع النقلات اللحنية والإيقاعية، وبصم بصوته على ما يمكن أن نعتبره أهم شارة غنائية في تاريخ الدراما التونسية.
يا حياتنا - جنجون - شارة مسلسل الفوندو (2021)
كان تعاون جنجون مع عازف البيانو مهدي المولهي في أغنية مسلسل "الفوندو" علامة مميزة تجاوزت مجرد استقطاب اسم ضارب في مشهدي الراب والبوب لتأدية شارة مسلسل.
وضع المولهي مقدمة بيانو هادئة تخيّم عليها أجواء حالمة، فيما استلهم جنجون بشكل ذكي مفردة "يا حياتنا" التي انتشرت بشكل قوي من أغنية بنفس العنوان لألتراس النادي الإفريقي التي اكتسحت منذ سنوات، وردّد نص الأغنية في أداء استوحى بعضه من أجواء المدرجات خاصة عند تأدية المقطع اللازمة المحورية للأغنية.
أتقن جنجون توظيف أداءه الذي تميز به في تعاوناته السابقة مع راتشوبر عبر صوته الدافئ واختياراته النصية الجذابة، مستغلًا تزامن بثّ المسلسل مع أوج صعوده في المشهد الموسيقي المحلي.
مسلسل عنبر الليل - موسيقى محمد العود (1999)
كانت أغنية شارة "عنبر الليل" عاملًا أساسيًا ساهم في نجاح المسلسل وانتشاره وإن أسعفته الاستعادات المتكررة على القنوات الرسمية. مثّل المسلسل عودة ناجحة إلى الفترة الاستعمارية في تونس دون الوقوع في فخ تكرار سرديات ظهرت في أعمال درامية سابقة.
وضع محمد العود موسيقى أغنية الشارة معتمدًا على مزاج لحني مستوحى من فترة الأربعينيات التي دارت خلالها أحداث المسلسل،ووظّف مقدمة موسيقية جذابة توحي بعناصر أندلسية الطابع تآلفت فيها عناصر الإيقاع مع الوتريات وفواصل القانون. استأثر كورال نسائي بأداء أغلب مقاطع الشارة ليقطع مع هيمنة الأصوات الذكورية على أغلب أغاني المسلسلات طيلة سنوات.
خسوف - جوهر - أغنية شارة مسلسل القضية 460 (2019)
تحت سيل التعليقات أسفل فيديو أغنية "خسوف" للتونسي جوهر، تحدث أحدهم عن تعلّقه بالأغنية عندما استمع إليها لأول مرة أثناء إعادة بثّ مسلسل القضية 460 خلال صيف 2020 وهو في سجن المرناقية في تونس. الأغنية جذابة وتقتحم السمع دون عناء. اتسمت بطابع لحني تقليلي أساسه الجيتار يرافقه صوت جوهر المخملي الذي أضاف إشراقة دافئة تعزّزت بنوتات كيبورد أثيرية في الخاتمة.
راهن المخرج مجدي السميري على موسيقى الإندي ليكسر مع احتكار الأسماء الكبيرة المعروفة لموسيقى المسلسلات في مغامرة مظفرة نالت إثره الأغنية احتفاءً مهما أثناء فترة عرض المسلسل في رمضان 2019.
اختيارات مها النبوي
بوسي - تتر مسلسل أعلى نسبة مشاهدة (2024)
شاركت الفنانة بوسي في تتر مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة"، الذي أثار جدلًا واسعًا خلال موسم رمضان 2024 بسبب تناوله واقع منصات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على حياة الناس. تناول المسلسل بشكل غير مسبوق ظاهرة البث المباشر وما قد يترتب عليها من شهرة سريعة قد تنقلب إلى فضائح، وهو ما تجسده البطلة شيماء، المستوحاة من قصة فتاة حقيقية واجهت السجن بعد أن وصلت إلى قمة الشهرة على الإنترنت. عكست كلمات الأغنية بصوت بوسي قسوة الحياة وتقلبات الشهرة، وربطت ببراعة بين الواقع المرير الذي تعيشه البطلة والضريبة التي يدفعها البعض مقابل الأضواء.
اختيارات هلا مصطفى
كل شيء ضاق - نورا رحال - شارة مسلسل أحلام كبيرة (2004)
اليوم وبعد مرور عشرين عامًا على عرضه للمرة الأولى، بت أدرك أن مسلسل "أحلام كبيرة" كان ذروة الدراما السورية الواقعية في فترة ما قبل الحرب. وقد استوعب المؤلف الموسيقي طاهر مامللي رهافة النص والسيناريو والشخصيات، وخصوصية العمل السوري بامتياز، ونفذ على هذا الأساس التتر، الذي ترك في وجداني شخصيًا أثرًا لا يمحى، فأعود كلما سمعته إلى زمن أبسط، موطن القسوة الوحيد فيه هو استحالة الرجوع إليه.
تفانى طاهر مامللي في تقديم الموسيقى الصحيحة للحالة الدرامية في أعمال مخرجين أيقونيين مثل هيثم حقي وحاتم علي والليث حجو. لكنه نادرًا ما استعان بكاتب كلمات لتتراته، بل توجه في كل مرة إلى الشعر العربي لاقتباس المناسب منه. وبعد عمر بن أبي ربيعة ومحمود درويش في تترات سابقة، أخذ لتتر "أحلام كبيرة" من كلمات الشاعر السوري المغمور نزيه أبو عفش في قصيدته "كل شيء ضاق".
اكتمل هذا التتر بأداء نورا رحال له، وهي الأخرى صاحبة تجربة فنية سورية قيّمة ومظلومة بالتأكيد. بصوتها الذي ليس له أن يخطىء الإحساس، وبالكلمات التي فاضت بمفردات اليأس والتسليم، حُفر هذا التتر في ذاكرة جيل من السوريين، الذين عادوا إليه لأعوام طويلة لاحقة.
ديما أورشو وعاصم سكر - شارة مسلسل بقعة ضوء (2001)
تتر آخر لطاهر مامللي بتوجه مختلف كليًا عن أعماله الأخرى. أذكر أنني حين سمعته كطفلة للمرة الأولى، عرفت مباشرة أنه غير تقليدي ولا يشبه التترات الأخرى، وتساءلت طوال سنوات لاحقة إن كان إعجابي به موضوعي أم مرتبط بمشاعر النوستالجيا، لكنه بالتأكيد أدهش وأضحك الجمهور لأعوام.
صدر هذا التتر لمسلسل السكتشات الكوميدية ذات الطبيعة السياسية الناقدة "بقعة ضوء"، وعرض في رمضان من كل عام ممتدًا لأكثر من 15 جزءًا، بقي التتر ثابتًا فيها كلها مع تغيير توزيعه. سمعه الجمهور للمرة الأولى حين عرض الجزء الأول عام 2001، وصنعه طاهر مامللي ليتمحور حول عبارتين فقط: "Just Do It!" الشعار الشهير لشركة نايكي، وجملة شكسبير "أن تكون أو لا تكون"، في إشارة ساخرة للعبارات التحفيزية الغير واقعية التي تواجه المواطن التعيس والمسحوق خلال حياته اليومية.
تناوب في أداء التتر السوبرانو السورية ديمة أورشو التي قدمت استعراضًا صوتيًا في أدائها للعبارتين الساخرتين، والفنان السوري القدير عاصم سكر الذي غنى بعرب شرقية: "يا ناس خلوني بحالي/ وحدي ومرتاح بالي". تقديم هذا التتر في بداية الألفية الجديدة بدا تجريبيًا وجريئًا وخارج الصندوق، ونجح في تحقيق الدهشة لدى الجمهور وربطهم أكثر بالعمل.
إحساسي - عبير نعمة - شارة مسلسل نفس (2024)
لم تتطلب مني أغنية "إحساسي" أكثر من استماعين أو ثلاثة بعد صدورها لتترسخ في رأسي فتكون أغنية المرحلة بلا منازع!
ينساب أداء عبير نعمة بين الرقة والحزم ليعكس الكلمات التي وضعها مروان خوري، عن ثقة امرأة بصوتها الداخلي وسط عالم فوضوي: "إحساسي.. هو اللي عندي الأساسي وهو اللي بيصدق معي/ بيداوي.. باللطف بيمحي القساوة بيهمسلي باللاوعي".
لم تحتج الأغنية تعابير مركبة لتحقق العمق، بل أبقت على بساطة الكلمات. لكن اختيار مفردات معينة نقل أبعادًا جديدة من الإحساس الذي تغنيه عبير. فمثلًا كلمة "أنا" في جملة: "واللي حسيته أنا كان أصدق وقريب/ من واقع كان وهمي وخيالي" تحمل أثرًا خاصًا إذ تبدو وكأنها تأكيد المغنية لنفسها بانتصار أنها كانت محقة باتباعها لحدسها.
ثم تلعب التوزيعات لعبتها، وترافق الغناء ببيانو وكثير من الكمنجات لإضافة لمسة مهيبة على اللحن. ولم تتعارض الآلات الكلاسيكية مع إضافة إيقاع إلكتروني على الإنتاج الموسيقي، ضبط إيقاع الأداء ومنحه المزيد من الدراما. المنتج الموسيقي للتر سليمان دميان كان قد تنقل في السنوات الماضية في تجاربه بين البوب المصري والليفانتين والإندي والهيب هوب، مقدمًا تجارب ناجحة فيها كلها، لكن إنتاجه لهذا التتر هو ولا بد أفضل أعماله على الإطلاق، وقد استوعب لحن مروان خوري بأفضل شكل بل وأضاف إليه مزيدًا من الزخرفات.
اختيارات سارة وائل
تتر مسلسل إلى أبي وأمي مع التحية (1979)
" يا أبونا وأمنا .. يا سند بيت الهنا. إحنا ما ننسى فضلكم .. حتى آخر عمرنا" تميّز هذا التتر الذي صدر قبل أكثر من أربعة عقود باختصار كلماته والتركيز على ألحانه، وهي من تأليف عبدالأمير عيسى وتلحين مؤسس فرقة التلفزيون الكويتية الراحل الأستاذ مرزوق المرزوق.
تعكس الكلمات قيم هذا الجيل وتقديرهم لوالديهم وحس الترابط ما بينهم كونه عمل تربوي، كما تعكس الألحان روح المسلسل الإيجابية. ومن الجدير بالذكر أن لحن الأغنية المميز ما زال يُستخدم على مواقع التواصل الاجتماعية وعلى تيك توك خاصة ليومنا هذا، كما أعاد الفنان حمود الخضر تقديمه في أغنيتة الجديدة "بيت الهنا"، مع إضافة أبيات جديدة له من توقيع عجلان ثابت.
مسلسل خالتي قماشة (1983)
من أقدم المسلسلات الخليجية المشهورة في العالم العربي، وما زال العديد يشاهده على مختلف منصات البث لما يحمله ما بين طياته من ذكريات الزمن الجميل. يعكس التتر للمسلسل الحس الفكاهي فيه، ويتحدّث عن الخالة قماشة، ألا وهي الشخصية الرئيسية وسيدة البيت التي تتمتع بشخصية مسيطرة قوية. عمل على تتر المسلسل أسماء أيقونية في الأغنية الخليجية، فهو من كلمات عبداللطيف البناي وألحان يوسف ناصر.
اختيارات يوسف علي
محمد مدحت - تتر بداية ونهاية مسلسل بدون ذكر أسماء (2013)
تفرّد هذا التتر يأتي في بساطته، فدون الحاجة لكلمات أو غناء، يأخذنا محمد مدحت في رحلة مينيمالية تصف التغيرات الاجتماعية والسياسية في مرحلة ما بعد الانفتاح الاقتصادي، معتمدًا على تتابعات دقيقة من البيانو والكمان الحاد والدفوف.
في البداية تتداخل كل هذه الآلات مع بعضها، لتعكس اجتماع الشخصيات في بيئة واحدة، بينما مع ترقي بعضهم طبقيًا واحتياجه للتقاطع مع مظاهرة حياة مختلفة بين الحاضر والماضي، يفصل المؤلف الموسيقي بين إيقاع البيانو وإيقاع الدفوف، مع "آه" أدائية وحيدة تأتي في المنتصف، كتعبير عن الفرصة الوحيدة التي سنحت للتفريج عن الكبت في زحام هذا الزمن.
محمد الحلو - تتر مسلسل ليالي الحلمية (1987)
وضع المؤلف الموسيقي ميشيل المصري بصمته بتصميم لحن يجمع بين صوت الأكورديون المرحة لتعكس روح ليالي القاهرة وطبقتها البورجوازية، وإيقاع الدفوف التي تعكس الروح الشعبية. استلهم الموسيقار ذلك من الحكاية التي ترويها ثلاثية نجيب محفوظ، والمعبرة عن مظاهر الحياة القاهرية في الخمسينيات، ومن خلال هذا المزيج صنع واحدة من أشهر الجمل الإيقاعية في تاريخ تترات الدراما.
وعلى عكس افتتاحهما تتر مسلسل "الوسية"، بالتساؤل الوجودي "مين اللي قال الدنيا دي وسية؟"، يؤجل سيد حجاب ومحمد الحلو التساؤل الاستنتاجي "ليه يا زمن مسيبتناش ابريا؟" في تتر "ليالي الحلمية" إلى المقطع الثاني بعد التمهيد الطويل بخلاصة حكمة تجارب الحياة، التي تأتي من الوقوع في المتناقضات.
حسين الجسمي - تتر مقدمة مسلسل أهل كايرو (2010)
قدم حسين الجسمي، السباق كنجم خليجي في علاقته بالجمهور المصري، تتر مسلسل "أهل كايرو"، الذي حقق نجاح مدوي مع عرض المسلسل الذي قدّم حكاية تربط بين الجريمة والسياسة.
كلمات أيمن بهجت قمر انتقدت بجرأة التركيبة النخبوية لمجتمع وسط المدينة، المنطقة الأكثر ديناميكية بالقاهرة العاصمة. أما تنويعات الجسمي ووليد سعد بالمقامات والطبقات بين الارتفاع والهدوء، فخلقت مزيجًا من السخرية من المأساة، وترافقت بالتناقض في التوزيعات بين الكمنجة الحادة والطبلة البلدي.