تغيّرت عوامل النجاح الفني في السنوات الأخيرة، فلم يَعُد نجاح الأغاني مُرتبطًا برواجها على الإذاعات أو بما تحققه الألبومات من نجاح في المبيعات، بل باتت منصات مثل تيك توك وانستغرام ويوتيوب تُشكل مساحات تفاعل حيوية تتحكم بشكل كبير بنجاح الأغاني الجديدة. كما تُعيد هذه المنصات ببعض الأحيان إحياء أغاني قديمة، لنشهد خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الهيتات العابرة للزمن، حيث حققت العديد من الأغاني نجاحًا استثنائيًا بعد مرور سنوات على إصدارها؛ نجاح لم تُحققه في زمنها، وذلك بفضل استخدامها المُتكرر بمقاطع الفيديو. دفع ذلك جيل جديد من الجمهور للتعرف على أغاني مضى وقت طويل على إصدارها، أو اكتشاف أغاني مرّت على الهامش عند إصدارها.
إلا أن مسألة تحول بعض الأغاني القديمة إلى هيتات لا يُعتبر أمرًا جديدًا، فالعديد من الأغاني طفت على السطح بعد استخدامها في المسلسلات والأفلام سابقًا، ولاتزال الدراما إلى اليوم تلعب ذات الدور وتنتشل أغاني من النسيان لتضعها في الواجهة مجددًا. المثال الأبرز على ذلك أغنية "Running Up That Hill" لـ كيت بوش، التي حققت سنة 2022 ما لم تتمكن من تحقيقه في الثمانينيات، إذ دخلت قائمة Billboard Hot 100 بعد مرور 3 عقود ونصف على إصدارها، بفضل استخدامها بالموسم الرابع من مسلسل "Stranger Things".
كذلك، فإن بعض الحوادث المأساوية، كرحيل فنان ما، قد تؤدي أحيانًا لإعادة اكتشاف إرثه، وتحول بعض الأغاني إلى هيتات بشكل مفاجئ، لتتفوق أحيانًا على شعبيتها في زمن إصدارها. وهو ما نشهده اليوم مع العديد من أغاني فرقة ون دايركشن، التي صعدت للسطح بعد رحيل ليام باين.
في العالم العربي هناك العديد من الأغاني التي انفجرت شعبيتها بعد مرور فترة من الزمن، وقد ساهمت قوائم بيلبورد عربية بتسليط الضوء عليها بشكل أدق في العام الأخير.
شيرين - كلام عينيه
عند الحديث عن الأغاني التي ضربت بعد مرور سنوات على صدورها، فإن المثال الأبرز على هذا في الموسيقى العربية مؤخرًا هو أغنية "كلام عينيه" لشيرين، التي صدرت ضمن ألبوم "نسّاي". لم تُحقق نجاحًا يُذكر بالمقارنة مع هيتات الألبوم مثل "الوتر الحساس" و"حبه جنة" و"الكدابين"، لتظل أغنية هامشية حتى عام 2023، حين ازداد الإقبال على الاستماع إليها بشكل مُفاجئ، وتم استخدامها بعدد كبير من الفيديوهات على تيك توك وانستغرام؛ لتكون أول أغنية تتصدر قوائم بيلبورد عربية عند إطلاقها في ديسمبر/ كانون الأول 2023، وتُحافظ على مكانها على القمة خلال 2024، مُحققةً الرقم القياسي كأكثر أغنية تَصدُرًا لقوائم بيلبورد عربية حتى اللحظة.
عمرو دياب - وغلاوتك
صدرت أغنية "وغلاوتك" لعمرو دياب سنة 1998 ضمن ألبوم "عودوني". حينذاك لم تحظ الأغنية بشعبية تُذكر بالمقارنة مع أغاني صدرت في ذات الألبوم، مثل "عودوني" و"خلصت فيك كل الكلام". لكن في منتصف عام 2024، وبفضل استخدامها على تيك توك، ازداد الإقبال عليها بشكل كبير، لتدخل قائمة بيلبورد هوت 100 بعد 26 سنة من إصدارها. أدى ذلك لقيام عمرو دياب بتقديمها ضمن حفلاته، رُغم أنه لم يٌقدمها على المسرح منذ أكثر من 25 سنة. وقد رحل مُلحن الأغنية محمد رحيم عن عالمنا بالزامن مع ذلك، مما أكسب الأغنية أبعادًا جديدة برحيله.
نوال عبد الشافي - مخاصماك
صدرت أغنية "مخاصماك" عام 2021 ولم تحقق انتشارًا واسعًا حينها بسبب محدودية شهرة مغنيتها. لكن شعبية الأغنية انفجرت بشكل مفاجئ بعد سنتين، لتُصبح واحدة من أبرز هيتات 2023 وبداية 2024، ومن بين الأغاني الأكثر استخدامًا على تيك توك بهذه الفترة، والأغنية الأكثر استخدامًا في مسلسلات رمضان 2024. انعكس هذا النجاح بدخول الأغنية إلى قائمة هوت 100، لتكون واحدة من بين الأغاني الحاضرة بثبات على القائمة طوال أسابيع العام.
أركان فؤاد - أهي ليلة
دخلت أغنية "أهي ليلة" لأركان فؤاد قائمة هوت 100 عند إطلاقها بنهاية 2023، لتكون حينها الأغنية الأقدم على القائمة، التي حافظت على تواجدها فيها لعدة أسابيع، وبدا حضورها فيها لُغزًا يصعب تفسيره. علمًا أن لحن الأغنية ذاته كان رائجًا بشكل أكبر في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ولكن بأغنية أخرى، وهي "سلملنا بقى ع التروماي" التي قدمها الراحل نجاح الموجي ضمن فيلم "أيام الغضب" سنة 1989.
بدرية السيد - العدل فوق الجميع
صدر الموال الشعبي "العدل فوق الجميع" ضمن ألبوم "قصقصي طيرك" لبدرية السيد سنة 1990. وفي سنة 2023 وصلت "العدل فوق الجميع" إلى مستوى جديد من النجاح، بفضل استخدامها في مسلسل "سفاح الجيزة". المسلسل نفسه أدى لانتشار أيضًا أغنية "عتمة" لسمر طارق والوايلي، وهي الأغنية التي استخدمت كشارة نهاية للمسلسل؛ حيث كانت الأغنية قد صدرت قبله بأكثر من سنة ولم تُحقق انتشارًا يُذكر إلا بعد عرض "سفاح الجيزة".
عادل إبراهيم - آه يا لندن
صدرت أغنية "آه يا لندن" في عام 2014، وقد مزجت حينها بين الموسيقى العصرية والإيقاعات الخليجية التقليدية الحيوية، مما يعطيها طابعًا فريدًا يجعل المستمع لا يمل من تكرارها. أما كلماتها فتناولت الاشتياق إلى الحبيب الذي يعيش في غربته وبالتحديد في لندن. عادت الاغنية هذا العام لتنتشر بشكل كبير على منصة تيك توك حيث أصبحت هيت بكل المقاييس، وقد تسابق صناع المحتوى والمؤثرين في بداية العام الحالي على استخدام الأغنية في مقاطع الفيديو الخاصة بهم أثناء تواجدهم في لندن. كما عاد بعض المؤثرين العرب في نهاية العام بإطلاق تريند جديد أمام أحد معالم المدينة السياحية في لندن مما عزز من ارتباط الأغنية بروح المدينة، وحقق لها انتشارًا إضافيًا شهدناه مع تقدّمها من جديد على قوائم بيلبورد عربية في الأسابيع الأخيرة من العام.