شهدت الساحة الموسيقية السودانية تحولًا جذريًا في السنوات الخمس الماضية، بعد أن سبق وهيمنت عليها أنواع مختلفة مثل البوب العربي والموسيقى الشعبية. في قلب هذا التحول، ظهرت حركة الراب السوداني وبدأ مشهد الهيب هوب بالتطور مع مجموعة فنانين ومنتجين، تمكنوا من تشكيل صوت خاص قادم من عمق الثقافة السودانية مرتبط بعواملها السياسية والاجتماعية.
لا يمكن فصل صعود الراب السوداني عن الاضطرابات السياسية التي شهدها البلد منذ العام 2019، وأدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير. خلال هذه الفترة، أصبح الراب أداة قوية للتعبير والمقاومة، واستخدم الفنانون كلماتهم للتنديد بالفساد والظلم الاجتماعي وانتهاكات حقوق الإنسان. تحولت الأغاني إلى هتافات من أجل الحرية والتغيير، حيث اكتسب رابرز كثيرون شهرة واسعة بفضل كلماتهم السياسية الحادة.
في فبراير/ شباط من العام نفسه، نزّل فلييبتر أغنية "حقد" التي انتقد من خلالها الحكومة والجيش لمعارضة الحكومة المدنية. وأصبح فلييبتر من أحد الأصوات البارزة في السودان وخارجها في تسليط الضوء على الثورة. من الجدير بالذكر أن فلييبتر معروف بكونه رابر ذا تدفّق معقد، متأثرًا بأسلوب البوم-باب، يراب عليه بتوزيعات مجردة على معظم الوقت. ألهم هذا الأسلوب العديد من الرابرز في المشهد، منهم الخليفة راب الذي برز بنفس هذا الأسلوب، لكنه شحذه أكثر في عدة إصدارات مثل "راب نووي" عام 2020.
لعبت الثورة الرقمية دورًا حاسمًا في صعود الراب السوداني، فمع تزايد انتشار الهواتف الذكية والإنترنت تمكن الفنانون من إنتاج ومشاركة موسيقاهم بشكل مستقل، وتجاوزوا قنوات الإعلام التقليدية التي كانت تخضع للرقابة، وقد أتاحت لهم منصات مثل يوتيوب وساوند كلاود وانستجرام الوصول إلى جمهور عالمي.
ظهرت أسماء الجديدة مثل أو دي الذي مهّد الطريق في ألبومه القصير "O'd the EP" الصادر عام 2020، أمام باقي الرابرز للحديث عن مواضيع جديدة ومنوّعة ليس فقط عن السياسة. كما شهدت هذه الفترة تغييرًا كبيرًا من حيث التدفق والتوزيع، حيث استلهم المشهد من أسلوب الدريل الذي كان يلقى رواجًا في العالم.
تعتبر "حفر ميوزك" التي تعاون فيها توو دوب مع إيزي دا بولي نقطة تحول كبيرة للمشهد، حيث رسخت مكانته كأول رابر سوداني يتبنى أسلوب الدريل في موسيقاه في المشهد ويحقق نجاحًا كبيرًا به. كما تبنى العديد من الرابرز أسلوب الدريل، وأبرزهم رابسو الذي أصدر "ما طبيعي" في العام 2021.
ظهر سولجا بقوة بعد إطلاقه أغنية "شارلستون" التي نقلنا فيها إلى عالم السبعينيات، حيث الألوان الزاهية والأزياء الجريئة، ليحتفي بتراث بلاده الغني. قدّم سولجا في إصداراته رؤية شبابية عصرية تعيد تعريف الهوية السودانية. مثلت هذه الأغنية والفيديو كليب المصاحب لها نقلة نوعية في فيديو كليبات الهيب هوب السوداني، كما حملت هذه الفترة المزيد من التطورات مع أسماء دمجت التأثيرات التقليدية مع إيقاعات مختلفة من المنطقة، مثل ولجيز الذي وظّف الإيقاعات الإفريقية الرائجة في موسيقاه.
هذا وظهرت أسماء جديدة من الرابرز المقيمين خارج السودان مثل حليم تاج السر المقيم في ليبيا، وهو واحد من الأسماء البارزة في المشهد على الصعيد المحلي والإقليمي، خاصة بعد إصداره عام 2021 تراك "بيلا تشاو". كما انطلق دافن شي الذي جمع بين التأثيرات السودانية والسعودية، وقد حقق انتشار كبير بعد صدور تراك "كنج الحلبة" في مارس/ آذار 2022 بالتعاون مع المنتج خياط. اشترك أيضًا رابرز مثل بابي وتقيل وغيرهما في هذه الموجة التجديدية وقدموا إصدارات مميّزة.
استعان عدد من الرابرز في الفترة الأخيرة بالأغاني السودانية الكلاسيكية واستخدموا منها عبارات أو كلمات، قد تمثل هذه الاستعارة الحنين إلى الماضي والشعور بالاشتياق للوطن، خاصةً أنها تعكس الصعوبات التي يواجهونها بعد الاضطرار لمغادرة السودان. ففي أغنية "زوزو" لـ ود المزاد التي أصدرها في مطلع هذا العام 2024، قدّم بارات فكاهية على توزيع يستعيد بالأغنية الحاملة نفس الاسم للمغني السوداني الشهير خضر بشير. كما رسخ الرابر الصاعد مونتياجو هذا الحنين إلى الماضي في الكثير من إصداراته مثل "سيما"، وتعني السينما بالعامية السودانية.