دور الموسيقى في التصميم العمراني: خلق مساحات ثقافية نابضة بالحياة
في إطار سعي المملكة لتعزيز مكانتها المستقبلية كمركز عالمي للموسيقى، استضاف أسبوع الرياض الموسيقي 2024 جلسة بعنوان "دمج الموسيقى في التخطيط والتنمية العمرانية من منظور عالمي". سلّطت هذه الجلسة الضوء على دور الموسيقى في تطوير المساحات العمرانية، بجانب مناقشة السبل الاستراتيجية لدمج الموسيقى في خطة تحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات. وقد ناقش المتحدثون هذا الموضوع في ضوء دراستهم لحالات مختلف المدن حول العالم، كما استعرضوا كيف يمكن للموسيقى الإسهام في تعزيز الرفاهية المجتمعية وتحسين جودة الحياة وتطوير الثقافة المحلية.
تجربة سعودية رائدة في دمج الموسيقى مع المدن
وعند سؤال حصة الصانع، رئيسة قسم العضوية والشراكات في مدل بيست، عن تأثير الشركة في التنشيط العمراني والموسيقي لمدينة الرياض، أجابت: "بدأت مدل بيست رحلتها بتنظيم الفعاليات، وسرعان ما وسَّعت أعمالها لتشمل الإنتاج الموسيقي والبث الإذاعي والمساحات التفاعلية. وقد لعب هذا التوسع دورًا مهمًا في خلق وجهات حيوية ومساحات إبداعية تتيح للسعوديين التواصل معًا وتبادل الأفكار".
وأضافت الصانع أن السعوديين لم يحظوا في السابق بمساحات تتيح لهم التفاعل والتبادل الثقافي بشكل مباشر، سواء مع العائلة أو الزملاء في المدرسة. أما الآن، فقد بات هذا جزءًا أساسيًا من الأنشطة الاجتماعية في المملكة، وذلك بفضل المهرجانات الكبيرة التي تعزز مختلف أشكال التواصل المجتمعي، بما في ذلك التفاعل غير اللفظي بين الحضور، مثل المشاهدة والتعبير عن الذات من خلال الرقص والمشاركة الفعلية في العروض الفنية.
أما على الصعيد العالمي، أثنت الصانع على أهداف رؤية السعودية 2030 فيما يخص تنويع مصادر الدخل الاقتصادي للدولة بعيدًا عن النفط، مشيرةً إلى دور المهرجانات في تعزيز الهوية الثقافية وزيادة الوعي ونفي الافتراضات المتعلقة بالمملكة العربية السعودية، بجانب تشجيع الناس على زيارتها.
تحديات وفرص التخطيط العمراني الموسيقي
على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته المملكة فيما يخص دمج الموسيقى مع الحياة العمرانية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها لضمان استدامة هذه المبادرات، مثل مراعاة التناغم بين المساحات الموسيقية والمجتمعات المحيطة بها.
ومن وجهة نظر مارتينا برونر، المديرة التنفيذية لجمعية "نادي فيينا"، لا يتعلق النجاح بالجوانب الاقتصادية فحسب، بل يمتد ليشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية أيضًا. وقد صرّحت أن صندوق Bristol Music Fund يعيد استثمار جزء من رسوم تذاكر الحفلات الكبيرة لدعم مشهد الموسيقى الشعبية والفنانين الصاعدين. كما أضافت: "إن تمويل العزل الصوتي للمساحات الإبداعية خطوة عملية للغاية، إذ تسهم اللوائح المنظمة للصوت والضوضاء في تحقيق تناغم مثالي بين المساحات الإبداعية والأحياء المحيطة، مما يضمن جودة الموسيقى المُنتَجَة ويوفر بيئة مهيأة لازدهار المساحات الثقافية".
أما ديل باكارد، المدير العام لـ "Music Victoria"، فقد أشار إلى أهمية توفير بنية تحتية ملائمة قائلًا: "يجب أن تكون البنية التحتية ميسورة التكلفة ومناسبة للموسيقيين، على أن تشمل أماكن للتدريب واستوديوهات ومناطق تحميل ومواقف سيارات بالقرب من المساحات الإبداعية"، مؤكّدًا أن النظام البيئي الصحي للموسيقيين "لا يتعلق بأعداد الحضور فحسب، بل بمشاركة المجتمع ووجود أماكن يتفاعل فيها الموسيقيون والجمهور معًا".
الاستدامة والمرونة في تصميم المساحات الحضرية
إضافةً إلى ما سبق، أشارت الجلسة إلى ضرورة تمتع المساحات الموسيقية بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات الزمنية. وقد شاركت نوف الخالدي، رئيسة الاستوديو الوطني للتصميم العمراني في وزارة الثقافة السعودية، وجهة نظرها قائلةً: "التخطيط العمراني ليس مجرد شوارع وطرق؛ بل يتعلق بالناس! إذ يجب دمج عناصر الثقافة والفن والتقاليد الاجتماعية في الخطة، مع الحرص على تشغيل المساحات الإبداعية وإقامة مختلف الفعاليات والأسواق والعروض". كما أشارت الخالدي إلى ضرورة وجود بنية تحتية مهيأة لاستيعاب التحولات التكنولوجية والثقافية المتسارعة، وهو ما تعمل عليه وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارتي السياحة والرياضة.
وفي الختام، أكّد كافة المتحدثين أن دمج الموسيقى في التخطيط العمراني هو الركيزة الأساسية لبناء مدن مرنة وديناميكية، تعزز الإبداع والمشاركة المجتمعية.