لم يكن صوته استثنائيًا! لكنه كان يعرف متى يغني وكيف. لم يقدّم أحمد زكي نفسه كمطرب، بل كممثل يُجيد استخدام النغمة كأنها نظرة، تنهيدة، أو حتى صفعة.
في زحام الأدوار المركبة والمواقف الثقيلة، كانت مقاطعه الغنائية أشبه باستراحة عميقة داخل المشهد. يمزجها زكي بالوجع، التحدي، أو حتى الهزل، ثم يودعها في ذاكرتنا إلى الأبد.
ورغم مرور عشرين عامًا على رحيله، لا تزال تلك المشاهد تشعّ بالعواطف. لا نراها كـ "أغانٍ داخل أفلام"، بل كلحظات لا يمكن تخيّلها دون صوته.
هنا نعود إلى تلك اللحظات النادرة... حين غنّى أحمد زكي.
مع حسين الإمام
في "كابوريا" و"استاكوزا"، شكّل الثنائي زكي – الإمام توليفة نادرة، حيث صنعا بظهورهما معًا كوميديا صافية بلا فلاتر، تنبع من صدق في تقديم المفارقات الطبقية من دون الحاجة إلى مبالغات لفظية أو حركات مفتعلة. الحوار وحده، وتعبيرات الوجه، ولغة الجسد، كانت كافية لرسم المشهد.
في "استاكوزا"، يبدأ الإمام المشهد الغنائي بوصلة "دِس" شرقية الطابع، ممزوجة بروح الروك والطبل البلدي، موجّهة إلى خصمه الذي تزوج من رغدة. التوزيعات الموسيقية التي قدّمها الإمام بخفة ظلّه المعتادة، مزجت الإيقاع البلدي المصري بأنغام البوب الغربي، فصنعت حالة فريدة وممتعة.
ينقلب المشهد في "كابوريا". يقتحم زكي الحفلة الموسيقية التي يحييها الإمام، بشخصية الملاكم الشعبي، قاطعًا الجلسة بحجة أنه "في اللابوريا" . فـ "فيه ايه هنبكي عليه؟".
المدينة في المترو
في نهاية التسعينيات، نزل أحمد زكي إلى محطات المترو في فيلم "هيستيريا"، حيث غنّت فرقته الصغيرة "زين" مقاطع من أغاني أم كلثوم، وسط الإحباط والتعب العام. المشهد حمل إسقاطًا مؤلمًا على حاضر غارق وقتها في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
أبرز اللحظات جاءت مع "وصفولي الصبر"، حين فرغ المترو من الركاب ولم يبقَ سوى زكي ورفاقه في مواجهة مجموعة من المتشددين، فما كان بوسعهم إلا استغاثة موسيقية هادئة: "أهرب من قلبي أروح على فين؟".
عبارات خالدة
جسد أحمد زكي في أفلام مثل "البيه البواب" و"البيضة والحجر" صعود الطبقة الشعبية بلغة بسيطة لكنها عميقة. يكفي أن تتذكر سؤاله الشهير: "لو الخميس كان بكرا، يبقى التلات كان إيه؟".
وفي "البيضة والحجر"، تتجلى العبقرية الشعبية في شخصية "مستطاع" ومصطلحاته العجيبة، مثل "الدربندوخ الدبرندوخ، كنا شباب وبقينا شيوخ"، مزيج فلسفة وموسيقى شعبية وقهر طبقي. لا أحد مثل زكي استطاع أن يجعل هذه الجمل البسيطة خالدة بهذا الشكل.
ربما لم يكن أحمد زكي مطربًا بالمعنى التقليدي، لكنه عرف كيف يجعل من الأغنية لحظة درامية، أو فاصلة نفسية، أو حتى نكتة تفتح بابًا للضحك في قلب التراجيديا.