سمح النجاح الهائل الذي حقّقته أغنية "يا ليل ويالعين" مع الأرقام التي سجلتها على منصات الاستماع، والذي تكلل بحصولها على جائزة أغنية العام في حفل جوي أواردز هذا الشهر، في أن يجلس الشامي في بداية عشرينياته للحديث مطولًا وبثقة مطلقة عن "استثنائية" موسيقاه التي هي جزء من استثنائيته. غرق كلامه بمفردات بدت أكبر بكثير من المتوقع من شاب في سنه، فيما حدّثنا عن عشوائية الحياة واللا إنتماء وغياب الامتيازات، عن اللجوء وعن قسوة الواقع فيما عاشه مؤكدًا في كل فرصة على كمية التجارب التي اختبرها في سن صغير. استدرك بعد ذلك معترفًا أن ليس كل ما اختار الحديث عنه هو تجاربه الخاصة وإنما قد تخص أحد أحبابه أو أي شخص من محيطه فتأثر بها واختار نقلها فيما يكتبه ويغنيه في موسيقاه مستشهدًا بجملة: "ما مليت قد ما هالوجع هد الكتاف" من أغنية "ما مليت" التي كتبها وفي ذهنه تجربة والده. خرج الشامي من بلده الأم سوريا لاجئًا إلى تركيا وهو في التاسعة من عمره، حيث بدا هناك بصناعة الموسيقى بجهود متواضعة وبمساعدة من تيك توك ووسائل التواصل الاجتماعية في الوصول إلى مستمعين من شريحته العمرية. وخلال ثلاث سنوات عاد إلى العام العربي مكرّمًا على مسرح جوي أواردز في الرياض مع النجاح الجماهيري الكبير لأغنيته "يا ليل ويالعين" ليصعد إلى المسرح ويختصر قصّته في خطاب مقتضب: "من ولد بيجلي صحون لحدا عم يتكرم بأكبر حفل موجود بالشرق الأوسط".
يشعر الشامي أن تراكم التجارب في عمر صغير كانت السبب الأساسي خلف اندفاعه إلى الموسيقى ورغبته بالكتابة والتلحين وحتى تجربة الهندسة الصوتية وإن كان يؤكد أنه ليس أكاديميًا أو دارسًا او خبيرًا وإنما وجد نفسه يقوم بهذه المهام عبر التجريب والاستماع والثقافة الموسيقية: "بسمع شعبي بعدين بروح بشغل تراك لبيلي آيليش، ما عندي أي مشكلة". بالطبع يقف خلف نجاح الشامي العديد من الأسماء التي دعمت تجربته منذ بدايتها، ووضعت خطوات الشامي المنفردة العشوائية الأولى على بداية الطريق الصحيح في العامين 2022 و2023 مثل المنتج الموسيقي فؤاد جنيد، وقد تكررت تعاوناتهما سويًا، ليمنحه فؤاد الصوت الشعبي الشامي الذي غلب على معظم إصداراته حتى اليوم، وتناسب مع اسمه الفني الذي كنّى نفسه به إلى جانب مدخلات من البوب والإندي والبيت الإلكتروني في "سميتك سما" و"بفديكي" وصولًا إلى "يا ليل ويالعين". قد يكون هذا السبب الذي يجعل الشامي يتحدّث طوال المقابلة عن تجربته بنبرة الجماعة فنسمعه يقول"خططنا" و"ووصلنا" و"الموسيقى تبعنا" بغض النظر إن كان يقصد أن تعود "نا الفاعلين" هذه على فريق عمله، أو قاعدة معجبيه الهائلة، أو أبناء الجغرافيا التي خرج منها، أم جيله بأكمله.
بالنبرة الجماعية ذاتها يشرح لنا عن كواليس صناعة هيت "يا ليل ويا العين" التي تحضر بقوة وثبات بين المراتب العشرة الاولى في كل أسبوع على قوائم بيلبورد عربية منذ انطلاقتها: " يا ليل ويالعين هي كانت خطة ما كانت غنية عشوائية طلعت. كنا بدنا نستهدف العمر الأكبر" ليؤكد أن هدف الأغنية كان الوصول شرائح عمرية مختلفة لتوسيع قاعدته الجماهيرية: "كانت لعبة موسيقية وخطة مدروسة لحتى اعمل تراك يعلق بالراس ويقدر يصيب أمي مثلًا اللي قدرت تسمع هاد التراك بس صعب تسمع بفديكي". بدا طوال حديثه عن أغنياته وكأنه يشرح حركات أحجار شطرنج تتنقل كما هو مخطط لها لتحقيق اللعبة النهائية المثالية، فيتناول نجاح "يا ليل ويالعين" على أنه النقلة الأولى: "وصلنا للي بدنا ياه بس ضل نثبّت. فالمشروع لسا قائم ما بتعتبر حالي نجحت 100% بخطتي بس إيه أخدنا أول خطوة وكانت خطوة كبيرة".
يستمر التخطيط بشكل جماعي للمرحلة القادمة من مسيرة الشامي الذي شارك خلال اللقاء تفاصيل ثلاث أغنيات يستعد لإطلاقها، وتم إعداد رؤيتها بما يسمح له بالوصول إلى شرائح جديدة من المستمعين دون أن يتخلى عن تقديم ما يناسب قاعدة معجبيه الأول الأصغر سنًا. اكتشفه هؤلاء الفانز الأوفياء عبر تيك توك ودعموا صعوده، وتجمهروا حول مقاطعه، وتابعوا كل بث حي ظهر فيه على منصات التواصل الاجتماعية ويسميهم هو مجتمعه "اللي بحسو بالإنتماء لثقافة الشامي". أما في الخطوة القادمة فسيقدُّم أغنية بعنوان "صبرًا" بتوزيعات غربية، كما سجل أغنية "بس ما تفل" التي أرادها أن تخاطب شرائح أكبر سنًا، وأغنية ثالثة باللهجة المصرية.
عرّج الشامي أيضًا للحديث عن علاقته بعائلته وأهله الذين يبرر لهم ويتفهم عدم دعمهم له في توجهه نحو الموسيقى مع غياب الامتيازات التي تسمح له بصناعة الفن في العالم الذي خرج منه، فيشرح على لسانهم: "بالحالة الاستثنائية اللي نحنا فيها بدنا ضمانات. ما في وقت لتكون قاعد ببيتك. ما عنا هاد الاستقرار ما عنا هي الحرية لحتى إنتا تقعد سنتين تلاتة من حياتك بس عم تعمل موسيقى. مانا قادرين نعطيك هاد الدلال، فقوم اشتغل". يعدينا هذا التفصيل إلى ما ذكره الشامي في بداية المقابلة عن أن: "فاقد الشيء يعطيه" ما افتقده من عاطفة خلال طفولته القاسية يشاركه مع معجبيه في سلوجان "حب وحنان" الشهير، والدعم الذي لم يمنح له في بداياته، يعوض عنه بالنجاحات الكبيرة التي يحققها اليوم.
فيما يسبق هذه اللقاء الطويل الأول كنا قد تساءلنا خلال تناولنا لموسيقاه في مرحلة سابقة في بيلبورد عربية عن سبب عدم ظهوره في مقابلات أو حفلات حية، وربطناه برغبته في تشكيل انطباع غامض عن شخصيته الفنية في بداياتها. أما وقد وجهنا إليه هذا السؤال مباشرةً، فاجأنا جوابه العقلاني الصريح الذي يرتبط بما هو أبعد من تشكيل بيروسنا غامضة، بل باعتراف أن النجاح السريع الذي تحظى به تجارب جيله يغيب عنه خبرة الأداء الحي وجهوزية الخوض في احتكاك مباشر مع الجمهور. "فنانين جيلنا أسرعوا بالظهور عمومًا وهي غلطة ما بينلاموا عليها بس لأنو هاد عصر السرعة هيك عم تجي… الحمدلله حققنا نجاح بس تجي تكمشني تحطني بمسرح قدام عشر آلاف شخص لأ ما حتلاقيني مثالي. يا إما نطرني" يشرح الشامي بحسم مؤكدًا أنه تأنى وأخذ وقته ليدرس ظهوره الأول.بعد عدة أشهر على هذه المقابلة مع الشامي، بقينا نتتبع خطواته عن كثب، ليتبين أن كل ما وعد به وخطط له في مرحلة سابقة، قد تحقق بالفعل! بدأ الشامي بخوض تجربة الأداء الحي بعد مدة من الاستعداد، فالتقى بجمهوره في عدة حفلات في بلدان مختلفة، وحظي بفرصة الأداء في دبي في حفل مشترك جمعه بالأسطورة جورج وسوف، الذي سبقه إلى الجماهيرية ذاتها قبل خمسة عقود. أما من ناحية الأغاني فتتابعت في الأشهر الستة الماضية ثلاث أغاني جديدة للشامي فاق نجاحها كل التوقعات. أصدر بداية "صبرا" التي سرعان ما دخلت قائمة هوت 100 ووصلت أعلى مركز لها في المركز الثاني. تلتها "خدني" التي مثّلت أول تجربة غنائية له باللهجة المصرية، وتبعها في منتصف يوليو/ تموز الحالي صدور أغنية "وين" التي سرعان ما أصبحت أغنية الأرقام القياسي. لم تكن "وين" أول أغنية ليفانتين بوب تصل إلى المركز الأول على قائمة هوت 100 فحسب، بل ونجحت في أن تكون أول أغنية تدخل مباشرةً إلى المرتبة الأولى في أسبوعها الأول. بالتوازي ومع نجاح الأغنية نجح الشامي بالوصول للمرة الأولى إلى صدارة قائمة 100 فنان، ليصبح بذلك أصغر فنان يحتل المركز الأول بعمر 22 عامًا.