اجتهد عمرو دياب في سبيل ما يحصده من تصدر متواصل لمشهد البوب على امتداد العالم العربي بأكمله علة امتداد عقود. جاء ذلك عبر دراسته لحاضره، وبعد رؤيته لمستقبله، وتصميمه الدقيق للمراحل المتتابعة من مسيرته والتي يمكن أن نصنفها ضمن خمس مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: ما بين البديل والفلكلوري والأغنية الشبابية
بدأ عمرو دياب مشواره الفني عام ١٩٨٣، ظهر للمرة الأولى على التلفزيون وغنّى من موشحات عبد الوهاب، وكان وقتها طالبًا يدرس الموسيقى. اختلف ألبومه الأول يا طريق عمّا هو سائد سنة ١٩٨٣، حيث اعتمد على أغاني بديلة حملت موضوعات الطبيعة والحياة. الجدير بالذكر، أن تلك الفترة عرفت حالة فراغ فني بعد رحيل عمالقة الطرب في منتصف السبعينيات، وقد حاولت التجارب الشبابية تقديم أنماط موسيقية جديدة وبديلة، لكنها كانت محط جدل النقاد والجماهير.
بدّل ملامح مشروعه الفني في الألبوم الثاني غنّي من قلبك عام ١٩٨٤، حيث اتجه نحو الفولكلور واستلهم من ألحانه ونغماته، ما عزز حضوره في الموسيقى الشعبية المصرية. ركب موجة الأغنية الشبابية في ألبوماته التالية خاصة في ألبوم هلا هلا سنة ١٩٨٦، وكشفت الأغنية الرئيسية عن موهبته بتقديم هذا النوع، ليُثبّت أقدامه في خارطة الموسيقى العربية.
المرحلة الثانية: الرحلة بعد الهيت الأول
تبلور أسلوب عمرو دياب المختلف عند نهاية الثمانينيات، تحديدًا عند إطلاقه ألبوم ميّال سنة ١٩٨٨. شكّلت الأغنية الرئيسية الهيت الأول في مسيرته، واعتبرت محطة فارقة في رحلته إلى النجاح والنجومية. وضعت باقي أغاني الألبوم الخطوط العريضة لشكل أغنية البوب العصرية في مصر، حيث اعتمدت على الريتم السريع و إيقاع المقسوم. أهلته هذه النجومية للعب دور البطولة في عدد من الأفلام، وقد قدم أغنية ميّال في فيلم العفاريت من بطولته سنة ١٩٩٠. كما غنّى لأول المرة باللغتين الإنجليزية والفرنسية في دورة الألعاب الأولمبية الأفريقية، التي استضافتها مصر في نفس العام.
صار عمرو دياب نجم الجيل الجديد وانتظر الجمهور إصداراته بفارغ الصبر عامًا تلو الآخر. بدوره، لم يخيب انتظارهم يومًا، بل حفر صوته في الذاكرة العاطفية الجمعية لجيلٍ كامل. أطلق سنة ١٩٩٣ ألبوم يا عمرنا الذي حمل أغاني مثل ضحكة عيون حبيبي، ثم ألبوم ويلوموني في العام التالي، وقد حققت الأغنية الرئيسية نجاحًا كبيرً. أصدر سنة ١٩٩٥ ألبوم راجعين محققًا المزيد من النجاحات، ليس فقط في مصر إنما بمختلف أرجاء الوطن العربي.
المرحلة الثالثة: العالمية لم تعد حلمًا
أحب عمرو دياب التجريب بالموسيقى الغربية واستحضار عناصرها في إصداراته منذ البداية، حيث أدخل سنة ١٩٩٥ عناصر من البوب اللاتيني في ويلوموني. كما قدم نور العين في ١٩٩٦، والتي مثّلت قفزة نوعية لهذا النوع من التجريب على صعيد البوب المصري والعربي، وقرّبته بخطوة كبيرة نحو العالمية. أصدر بعدها بعام ألبوم ريمكسات لأغنية نور العين، وقدّمها بعدة لغات وتوزيعات مختلفة.
زاد طموح عمرو دياب بالعالمية أكثر عند نهاية التسعينيات، حيث قدم سنة ١٩٩٩ ديو إليوس/ حبيبي مع أنجيلا ديميتريو، كإصدار منفرد قبل ألبوم قمرين الذي أطلقه في نفس العام. حمل الألبوم ديو آخر مع أنجيلا في أنا بحبك أكثر، كما تعاون في ديو قلبي مع الشاب خالد ليجمع بين عناصر الراي والبوب المصري، وقد حقق في هذا الألبوم انتشارًا كبيرًا حيث تبلور حلمه بالعالمية.
المرحلة الرابعة: الألبوم كله هيت
صرّح عمرو دياب في مقابلة أجراها قبل تحضير ألبوم تملي معاك، أنه يخطط للاهتمام أكثر بكل أغنية من ألبومه، بدلًا من التركيز على الأغنية الرئيسية، بعد مراجعة ذاتية لأعماله السابقة. أصدر بعدها ألبوم تملي معاك سنة ٢٠٠٠، وبالفعل حققت أغانيه العشرة نجاحًا بعد أن حملت كل أغنية أسلوب مدروس. شكّل عمرو دياب هيكل الألبوم الناجح في تملي معاك واعتمده لسنوات. يبدأ بأغنية إيقاعية تليها واحدة رومانسية، تحمل إحداهما اسم الألبوم وتصور الأخرى على طريقة الفيديو كليب. تأتي بعدهما أغنية المقسوم التي تشرح موقفًا واضحًا، قبل أن يختتم الوجه الأول من الشريط بأغنية حزينة وأخرى رومانسية دافئة. يفتتح الوجه الثاني من الشريط بتركيبة مماثلة بأغنية إيقاعية، قبل أن تُضاف أغنيتان رومانسيتان إحداهما حزينة والأخرى مبهجة، و يترك مساحة للتجريب بجنرات جديدة ومختلفة عن باقي الألبوم.
وسع رقعة التجريب في ألبوم علّم قلبي سنة ٢٠٠٣، وكان أول ألبوم يُكتب على غلافه: "رؤية عمرو دياب". لازمت هذه الجملة ألبوماته بعد ذلك وأظهرت اهتمامه بخلق ألبومات متكاملة وساحرة بكل تفاصيلها، بعد أن اهتم قبلها بصناعة هيت واحدة في كل ألبوم، ترافقها أغاني عشوائية تتضاءل مساحة الإبداع فيها.
المرحلة الخامسة: عمرو دياب في مواجهة مع تاريخه
مع الوقت أصبحت مهمة عمرو دياب إقناع الجمهور تزداد صعوبة، فكل ألبوم جديد تتم مقارنته مع أعماله السابقة، حتى وجد نفسه في مواجهة مع تاريخه ومع جمهوره المُتعلق بأغانيه القديمة. تعامل عمرو دياب مع هذه المُعضلة على مراحل، جرّب في البداية مع البومات مثل بناديك تعالى أن يستخدم توزيعات الموسيقية عالمية حديثة. أصدر بعدها ألبوم أصلها بتفرق سنة ٢٠١٠ وتضمن أغنية واحدة بثلاث توزيعات، حاول فيها أن يُرضي شغفه بالموسيقى وذائقة جمهوره القديم. قبل أن يعثر على الحل، وهو تقديم أغاني تُشبه بتوزيعاتها أغانيه القديمة في ألبوماته، إلى جانب إصدار هيتات يوليها اهتماما أكبر مثل: قدام مرايتها ويتعلموا.
لم تخلو أغانيه في الأعوام الأخيرة من شطحات تجريبية، كما في أغنية ولله أبدًا في صيف ٢٠٢٣، حيث قدم فيها واحدة من كلاسيكيات الشعر العربي بلوحة موسيقية تجريبية معاصرة، أكدت على شغفه الذي لا يموت بالموسيقى.
تضمّ قوائم بيلبورد عربية الفنانين والأغاني العربية الأكثر استماعًا كلّ أسبوع في جميع أنحاء العالم، بناءً على نشاط منصات الاستماع في أكثر من ٢٠٠ منطقة حول العالم - بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - بحسب ما رصدته Luminate. يمكنكم الآن الاطّلاع على قوائم بيلبورد عربية ١٠٠ فنان وهوت ١٠٠ كاملة من هنا.