في بداية العام، توقعنا في بيلبورد عربية صعود أسماء جديدة إلى قوائمنا للمرة الأولى، وولادة تجارب جديدة لموسيقيين سوريين، وقد التقى التوقعان حين دخلت أغنية "ليه لأ" للفنان الشاب بلال ديركي المنافسة بقوة في أكثر من قائمة أغاني قبل أسابيع. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل نجح بلال أيضًا في دخول قائمة 100 فنان، حيث يحتل هذا الأسبوع المرتبة 68.
هذا الصعود المفاجىء دفعنا إلى التعمق أكثر في رحلته الفنية، واستكشاف الخطوات التي مكنته من الوصول إلى جمهور واسع والتعرف على موسيقاه عن قرب.
الخطوات الأولى محمّلة بالدراما
بدأ بلال ديركي مسيرته الفنية عام 2018 مع تراك "بذاكرتي"، وكان حينها يقدم موسيقاه تحت اسم بلال سكوترم، قبل أن يعتمد لاحقًا اسمه الحالي. ومنذ البداية قام بلال بأداء عدة أدوار إبداعية، فكان يكتب ويلحن ويوزع أغانيه بنفسه، إلى جانب امتلاكه مهارات تقنية مكنته من تسجيل وتنفيذ الميكسينج والماسترينج لمعظم أعماله.
فضّل بلال ديركي إصدار الأغاني الفردية لما تمنحه من مساحة أكبر للتركيز على كل عمل على حدة، ولم يصدر خلال مسيرته سوى ألبوم واحد عام 2021 حمل عنوان "ولاد الحي" وضم 7 أغنيات.
في بداياته تنقّل بلال بين موسيقى الهيب هوب والإندي، ونجح في المزج بينهما في أكثر من أغنية منها "سرقتي قلبي". لكنه بعد مدة من البحث عن اللون الأقرب لشخصيته، بدأ يستقر تدريجيًا على نمط موسيقى الإندي الغنائي أكثر، ليبرز خامة صوته وأسلوبه في الأداء.
كما أنه، ومنذ البداية، حافظ على لونه الحزين، وأغانيه التي تدور حول الليل وآلام الفراق. توليه مهمة كتابة الكلمات وتلحين وتوزيع أغلب أغانيه منح أعماله بصمة خاصة، وحضورًا صادقًا لامس مشاعر شريحة واسعة من جمهوره الشاب. وبرز هذا بوضوح في أغنيات مثل "شوق" و "شو جابك" و "رجع المطر"، كما لاحظنا حرصه في معظم أعماله على دمج الآلات الموسيقية الحية ضمن التوزيع، مثل الكمان والعود والجيتار، مما يضيف دومًا على أغانيه لمسة مختلفة عن الإنتاج الإلكتروني السائد.
إنتاج غزير و تعاونات متنوعة
يؤمن بلال ديركي وضوحًا بأهمية التعاون الفني والديوهات، ويظهر ذلك في شراكاته المتكررة مع بكر شمدين "بيكو"، الذي تعاون معه حوالي 6 مرات، حيث يجمع بينهما انسجام واضح في الصوت والرؤية، إلى جانب قدرتهما على مشاركة الكتابة والتلحين معًا. كما يلفت الانتباه حرصهما على الاستلهام من الماضي وتجارب موسيقية سابقة وربط أغانيهما بها، كما في أغنية "آخر الطريق" التي يقول فيها بلال: "آخر الطريق ما كان المفروض يكون لحن حزين"، والتي نرى أنها مستوحاة من أجواء فرقة آخر زفير وخاصة أغنيتهم الشهيرة "آخرتو لحن حزين".
تعاون أيضًا مع الأخرس في أغنية "شوك" التي صدرت عام 2021، والتي تحمل في طابعها الحزن وتتناول ألم فراق الأحباب والوحدة بعد غياب الحبيب. وجاء إطلاق الأغنية في بدايات مسيرة الأخرس الفنية، وحققت الأغنية انتشارًا واسعًا للاسمين في تلك الحقبة من مسيرتهما.
وفي العام نفسه، جمعه تعاون مع الشامي في أغنية "على شو"، الذي استطاع من خلالها أن يرسخ اسمه كفنان لا يستهان به في وقت قصير، كما أن "على شو" تُعد الأغنية الأكثر مشاهدة في قناة بلال الرسمية على يوتيوب، حيث تجاوز عدد مشاهداتها 17 مليون حتى الآن. وعلى الرغم من احتواء الأغنية على لمحات من الحزن في بداياتها، إلا أنه يصور الحبيبة على أنها أعظم انتصاراته، كما يتجلى ذلك في كلماتها: "يا أعظم انتصاراتي يا كلشي حلو فيي / يا مشتتني بقراري مخليني صغير عينيي".
يمكن عمومًا لمس التشابه بين تجربة بلال ديركي وتجربة الشامي في بداياتها قبل سنوات، فكلاهما يؤديان نفس الألوان الموسيقية، بنفس اللهجة، وكلاهما يعملان على كافة عناصر أغانيهما بشكل شخصي فيؤلفان ويلحنان وينتجان، ويمكن بسهولة لمس وجه التشابه في الرؤية الموسيقية التي انطلقا منها، ومدعومان على وسائل التواصل الاجتماعية من جمهور إلكتروني وفي. إلى جانب أن كلاهما بالطبع من جيل من الشباب السوري، اختبر ظروف حياتية متشابهة على الصعيد الشخصي.
في أحدث أغنياته "ليه لأ"، قدّم بلال عملًا مختلفًا عن أعماله السابقة، حتى في طريقة غنائه التي تميل إلى أسلوب الحديث العفوي، وكأنه يهمس بسره في أذن المستمع، محملًا بالأحاسيس ومغمورًا بعذوبة الوتريات التي تطغى على الأغنية. وكعادته تظهر بصمته واضحة في كل تفصيلة، وهو يتغزل بحبيبته ويدعوها لعيش اللحظة: "تعا نتمشى بهالهوا / ولشو نتخبى من المطر / تعا ما نخاف من البلل / وناخد سوا شوية صور"، لتحصد تعابيره البسيطة 10 ملايين مشاهدة على يوتيوب حتى الآن، وتحقق أول دخول له إلى قوائم بيلبورد عربية.