مع اقتراب اليوم الوطني السعودي، الذي يوافق 23 سبتمبر/ أيلول، شهدت الموسيقى السعودية حالة من النشاط الكبير بإصدار العديد من الأغاني والألبومات الخليجية، من أبرزها الألبوم القصير "عبدالمجيد عبدالله 2024" الذي تمّ إصداره يوم 5 سبتمبر/ أيلول، وتضمّن 6 أغاني تعاون فيها عبدالمجيد عبدالله مع الشاعر الغنائي والملحن تركي أو المعروف بطارق محمد، الذي لحّن أغاني الألبوم جميعًا، وكتب كلمات 5 منها منفردًا، وتشارك مع أحمد فضل القمندان بكتابة أغنية "يا منيتي".
شهد الألبوم أيضًا تعاون عبدالمجيد عبدالله الأول مع الموزع الموسيقي المغربي جلال الحمداوي، الذي وزّع 4 من أغاني الألبوم: "حكى واجد" و"أحتاجلك" و"أحط راسي" و"خلاص ما بي"، بينما تولى عمر الصبّاغ التوزيع الموسيقي في الأغنيتين المتبقيتين: "يا منيتي" و"أبا عيش".
يأتي ألبوم عبدالمجيد عبدالله الجديد بعد مرور شهر واحد فقط على إصداره الأغنية المنفردة "لك ساقني الرب"، التي حققت نجاحًا لافتًا، وبلغت أعلى ذروة لها بالوصول إلى المرتبة الرابعة في قائمة أعلى 50 أغنية خليجي، والتي تتواجد فيها للأسبوع الرابع تواليًا. هذه القائمة التي أطلقتها بيلبورد عربية في شهر أغسطس/ آب، تؤكد على مكانة عبدالمجيد عبدالله الراسخة والمتجددة في ساحة الأغنية الخليجية، بكونه الفنان الأكثر حضورًا على القائمة بأغانيه الجديدة والقديمة.
أول ما يثير الانتباه في الألبوم هو صورة الغلاف التي تحمل توقيع الثنائي عبدالمجيد عبدالله وتركي طارق محمد، وهو أمر غير معهود في ألبومات عبدالمجيد عبدالله وفي ألبومات البوب العربي عمومًا، لكنه يحمل دلالات بالطبع، ويعيدنا بالذاكرة إلى بعض ألبومات عبدالمجيد القديمة حين كان يسلِّم ألبومًا كاملًا لملحن واحد كأنه مشروعه الموسيقي المتكامل، مثل ألبوم "عاتب" مع خالد الشيخ سنة 1990 وألبوم "عندك خبر" مع طلال مدّاح سنة 1992.
لكن الأمر اللافت كذلك في الألبوم هو صورة الغلاف المتناظرة، التي تظهر فيها نسختان من عبدالمجيد، تجلسان متناظرتين، وتنظران إلى الأسفل، وكأنهما تنظران إلى رقعة شطرنج، ليبدو عبدالمجيد وكأنه يلعب ضد نفسه. وفي الألعاب الافتراضية التي يلعب بها الإنسان ضد نفسه، سيربح بكل تأكيد، لكنه سيكون الخاسر أيضًا، وهو ما يبدو مناسبًا كصورة رمزية لمعاني أغاني الألبوم، التي تبدو فيها الحدود ضائعة ما بين الربح والخسارة في سياق العلاقات العاطفية التي تعبّر عن حالات معقدة فيها.
ينعكس ذلك بوضوح في الأغنية الافتتاحية "حكى واجد"، التي تبدو تعبيرًا عن لحظة تنتصر فيها المشاعر أثناء اللقاء الوداعي الأخير والخسارة الكبرى. تبدأ الأغنية بتوصيف المشهد الوداعي الذي تحدّث فيه الحبيب مطولًا لتبرير ما سيقدم عليه: "حكى واجد وبرّر لي كثير أسباب/ ما خلّى عذر بالكون إلاّ جاب". لكن الألم والخسارة الكبيرة لا يقفان عائقًا أمام مشاعر الحب التي تحظى بلحظة انتصار، عندما تبلغ الأغنية الذروة الدرامية الأعلى بوصف الحضن الأخير: "حضنته حضن أتمنّى أحضنه من يوم لاقيته/ لكني خجلت وقلت وقته يحين وخلّيته"، ليعبّر عن لحظة السعادة المؤجلة التي ربما لم يكن لها الطعم ذاته في السياق الذي جاءت فيه، لكنها كانت الانتصار المعنوي والذكرى التي ستظلّ محفورة في القلب دائمًا.
تزداد الأغنية جمالًا بفضل التوزيع الموسيقي الغني بالتفاصيل، حيث تبدأ الأغنية برسم دوامة المشاعر عبر الأصوات المحيطية الإلكترونية، التي تتراجع إلى خلفية المشهد الموسيقي مع بدء صولو التشيلو الحزين، ودخول أصوات الوتريات التي تعمّق الإحساس بالشجن قبل دخول الإيقاع الملفوف وبدء الغناء.
ومن الأغاني الأخرى البارزة في الألبوم أغنية "يا منيتي" من أغاني التراث اليمني، التي أعاد الألبوم تقديمها برؤية جديدة، ووزّعها عمر الصبّاغ. تتميز هذه النسخة بطابعها الروحاني من خلال أصوات الكورس التي تمهّد للأغنية، وتجسّد "يا منيتي" مشاعر الحب غير المشروط في علاقة حب معقدة، يصعب فيها التعبير عن الحب دون العتب، لتبدأ الأغنية: "يا منيتي وإنت تدري أنا فيني عتب/ يا منيتي يا سلا خاطري وأنا أحبك من زمان/ وإنت تدري تبدا الجفا/ ثم تهجرني وأنا أحبك موحرام". لكن العتب في البدايات لا يقود سوى إلى التعبير عن الحب غير المشروط، الذي سيبقى أبدًا، والذي نلمسه بشكل أوضح في المقطع الأخير، حين يبدي عبدالمجيد استعداده لمنح الحبيب الوقت والمسافة اللذين يحتاجهما: "ابعد لو بعادي يسعدك/ روح القمر وارجع هنا لي بعد عام".