بعد ليلة "دايم السيف" الاستثنائية، التي احتضنتها مدينة جدة، وجاءت بمثابة تكريم ومحبة لأشعار الأمير خالد الفيصل، والتي أحياها نخبة من النجوم على رأسهم محمد عبده، صرّح فنان العرب بأن الشاعر الأمير هو شريك في نجاحاته التاريخية ورفيق إبداع ومصدر إلهام في مسيرته الفنية.
تغنى محمد عبده بأشعار الأمير الملقب بـ دايم السيف عبر أكثر من 60 عملًا فنيًا بديعًا، مُزج فيها عبق الكلمة بجمال الصوت، لتصل إلى الجمهور كتحف فنية تجاوزت حدود الزمان والمكان. كل ذلك دفعنا إلى استرجاع أبرز الأغنيات التي جمعتهما معًا.
مجموعة إنسان
من أبرز السمات التي تحدث عنها محمد عبده عند وصفه لشعر الأمير خالد الفيصل، هي واقعيته، إلى جانب عمق فكره الشعري، حيث يرى فيه صاحب مدرسة شعرية متفردة تجمع بين عمق اللغة وبساطة الإحساس، ما يجعل كلماته قادرة على ملامسة وجدان المستمع. ومن أبرز نماذج هذا الأسلوب قصيدة "مجموعة إنسان"، التي لحنها محمد عبده بنفسه وصدرت في عام 2000، ولا تزال حتى اليوم واحدة من أكثر الأغنيات طلبًا في حفلاته.
في مطلع القصيدة يقول: "قالت من أنت؟ وقلت مجموعة إنسان / من كل ضد وضد تلقين فيني" وهي جملة شعرية تحمل ازدواجية فريدة، حيث يصور فيها الشاعر الإنسان ككائن مركب من التناقضات، يجمع بين الهدوء والغضب، القوة والضعف، و صوت محمد عبده الشجي يعرف جيدًا كيف يترجم مثل هذه الكلمات إلى لحظة طربية متكاملة.
من بادي الوقت
تميزت قصائد سمو الأمير خالد الفيصل بثراء دلالي، إذ تحمل بين سطورها معانٍ مختلفة، ولهذا لم يكن من السهل على أي فنان أن يترجم عمقها ومغزاها إلا من عاش تفاصيلها بكل جوارحه، وشعر بأحاسيسها حتى أقصى حدود الشعور.
من أبرز الأمثلة على ذلك، قصيدة "من بادي الوقت" التي يقول فيها: "حلو الليالي تواري مثل الأحلام / مخطور عنّي عجاج الوقت يخفيها". وضع محمد عبده للقصيدة لحنًا هادئًا على سوية نغمية واحدة، ولم يستعرض في أدائها على طبقات صوتية مختلفة، وكأنه أراد أن يفرد المساحة كاملةً للتركيز على الكلمات ومعانيها.
تستاهل الحب نجدية
تميز أداء فنان العرب محمد عبده في قصائد دايم السيف بروعة استثنائية، حيث بدت ألحانه وكأنها تُحيي القصيدة من جديد، مانحة إياها روحًا موسيقية فريدة تليق بثقل المعنى وعمق المشاعر. ومن بين القصائد التي لحنها وغناها بإحساسه المميز تبرز رائعة "تستاهل الحب نجدية" التي يقول في مطلعها: "تستاهل الحب نجدية / رفيعة الشان عجابه/ العين يا عين بحريه / لقلوب الأحباب نهابه"
يبدأ مطلع القصيدة بالغزل بالفتاة النجدية، ثم سرعان ما تتحول إلى الثناء على منطقة نجد، فتصبح قصيدةً في تمجيد أرض الوطن. وقد أداها محمد عبده للمرة الأولى في منتصف الثمانينيات، واستمر بأدائها على المسرح لعقود تالية وفي كل المناسبات.
كل ما نسنس
شكلت أشعار الأمير خالد الفيصل وألحان فنان العرب محمد عبده ثنائية فنية ناجحة، وكأنهما يرويان معًا فصولًا من حكايات متعددة فيها الحب والتأمل والحنين.
يتجلى ذلك في أغنية "كل ما نسنس" التي تلامس مشاعر الافتقاد للحبيب خاصة في المقطع الذي يقول فيه: "وإن سهرت الليل / أهوجس بك وأعيد / هل لأجلك مدمعي". وهي أبيات تعبر عن حالة وجدانية دقيقة، يتداخل فيها السهر بالتفكير والحنين بالدمع. ومن أبرز نسخ الأداء الحية التي قدمها فنان العرب لهذه الأغنية كانت خلال حفله الشهير في لندن عام 1997.
سريت ليل الهوى
في أحد اللقاءات الإعلامية، كشف الأمير خالد الفيصل عن بداية استخدامه للقب الشعري "دايم السيف" حيث أبدى فنان العرب رغبته في غناء إحدى قصائد الأمير إلا أن خالد الفيصل في البداية لم يكن يرغب في كتابة اسمه ، فاختار هذا الاسم المستعار الذي أصبح لاحقًا توقيعًا شعريًا معروفًا في الساحة الخليجية.
وفي لقاء آخر تحدث محمد عبده عن خصوصية العلاقة التي جمعته بسمو الأمير، مشيرًا إلى أن الأمير كان يُلقنه الكلمات النجدية لفظًا، في موقف يعكس عمق العلاقة الفنية والإنسانية التي جمعت بين الشاعر والفنان. ومن هذه العلاقة الوثيقة وُلدت أعمال لا تُنسى من بينها "الله عليها عودت" و "يا غالي الأثمان" و "سريت ليل الهوى" التي لاقت عشق الجمهور وتقدير الفنانين.
وقد أعاد بعض الفنانين تقديم أغنية "سريت ليل الهوى" كتحية لهذا الإرث الطربي، من بينهم نواف الجبرتي و أيضا عبدالعزيز مانع خلال مشاركته في برنامج "سعودي أيدول". كما قدمها محمد عبده بصحبة ماجد المهندس وفهد الكبيسي ضمن أمسية "تريو نايت" في عام 2021، حيث شهدت الأغنية وقتها تفاعلًا جماهيريًا كبيرًا.