بعد مرور أربعة أشهر على طرحها الجزء الثاني من ألبوم "لحقت نفسي"، الذي تضمّن أغاني باللهجتين المصرية والشامية، عادت أصالة بألبوم "ثم أنا" باللهجتين الخليجية والعراقية؛ ليكون أول ألبوم خليجي لها مُنذ أربع سنوات، لم تتوقف خلالها عن إصدار أغاني منفردة باللهجة الخليجية.
يتضمن ألبوم "ثم أنا" عشر أغانٍ، حرصت فيها أصالة على التنوع من خلال تعاونها مع كتاب وملحنين وموزعين مختلفين، لم يتكرر اسم الواحد منهم بأكثر من أغنية باستثناء الشاعر الغنائي عبد الله العماني والملحن محمد الشطي والموزع الموسيقي سيروس، الذين تعاونت معهما بأغنيتي "جرح العرب" و"يمر وما يسلّم". هذا التنوع في التعاونات جعل الألبوم هو الأكثر تجريبية بين ألبومات أصالة الخليجية. وكعادتها في أغانيها الخليجية، تأتي أغاني الألبوم بطربية شديدة الإحساس، تعكس عمق العواطف وجمالية الألحان، وقد حافظت أصالة على أسلوبها المعتاد في نصف أغاني الألبوم تقريبًا، ولكنها خرجت عنه بالنصف الثاني الذي بدت أغانيه أكثر تفرّدًا.
تحافظ بعض أغاني الألبوم على البنية الرصينة للأغنية الخليجية الكلاسيكية. ينطبق ذلك على أغنية "يمر وما يسلّم"، التي كتبها عبد الله العماني ولحّنها محمد الشطي ووزعها سيروس، التي تُغني بها أصالة بأدائها الطربي وبصوت مجروح لتُعبر عن انزعاجها واستغرابها من التجاهل: "يُمر وما يسلّم/ عليّ الكبر تعلّم/ أجي له يتعلم/ ولله لولا الملامة/ لقلل احترامه/ أنا مابي سلامه/ وشلون كدا تغيّر عليّا/ أحباب حنا كنا سويا". يُعزز الحالة الطربية توزيع الأغنية الكلاسيكي، والاعتماد على التناغم بين الناي ووتريات الأقواس والإيقاعات الخليجية؛ لكن أصالة تكسر السياق بضحكتها العفوية، لتزيد من جاذبية الأغنية.
إلا أن أكثر الأغاني جاذبيةً في الألبوم، هي الأغاني التي تتمرد فيها أصالة على البنية الكلاسيكية للأغاني الخليجية أو العراقية، والتي تقترب بتوزيعاتها الموسيقية من موسيقى البوب اللاتيني، ونقصد هنا أغنيتين: الأولى هي أغنية "الكرسي" التي كتبها خلف الخلف ولحنتها جمانة جمال ووزعها عصام الشرائطي، والتي تم تسليط الضوء عليها من خلال المناوشة المرحة التي دارت بين أحلام وأصالة عقب طرح الأغنية.
الأغنية الثانية هي أغنية "إنسان"، التي سلطّت أصالة الضوء عليها باختيارها لتكون أولى عينات الألبوم، والتي صاحبتها دراما من نوع خاص، مع حذف الكليب وإعادة تصويره، وهي من كلمات محمد الترك وألحان كرار شريف وتوزيع علي روني. وبمعزل عن الدراما التي رافقت هاتين الأغنيتين، فإن الجاذبية تبقى حاضرة فيهما، بالهارموني المميز في توزيع عصام الشرائطي لأغنية "الكرسي" بين البوب اللاتيني والموسيقى الخليجية، وكذلك بالموسيقى اللاتينية التي صاحبت الكلمات العراقية في أغنية "إنسان"، التي صنعت أجمل أغاني الألبوم وأشدها غزلًا وعذوبةً.
ولكن التجربة الموسيقية الأكثر تفرّدًا في الألبوم هي أغنية "ثم أنا"، التي حمل الألبوم اسمها، والتي كتبها مؤمن سالم ولحّنها أحمد سعيد ووزعها مصطفى قاسم. يتم افتتاح الأغنية بمقدمة موسيقية طويلة نسبيًا، تُشبه إلى حد ما موسيقى الرحابنة، وتبدأ أصالة الغناء مع انتهاء الدقيقة الأولى من الأغنية برتم بطيء: "أنا ثم أنا ثم أنا ثم البشر/ ماني مغرورة ولا إنسانة مالها غالي/ وحيدة حال وما بندم وعايشة فيها مع حالي/ ويوم ما أرحل أكيد برحل وحيدة حال". لتُثير أصالة اهتمام المستمعين بكلمات الأغنية التي تبدو شديدة التناقض ما بين الغرور وتضخّم الأنا وإنكار ذلك. ومع نهاية الدقيقة الثانية تُصبح الموسيقى أكثر تعقيدًا، وتبدأ أصالة بالغناء العاطفي لتبرير التناقضات، ولكن الأغنية تنتهي سريعًا مع انتهاء الدقيقة الثالثة قبل الوصول إلى حالة الإشباع، لتبقى أغنية "ثم أنا" حالة فريدة في ألبوم أصالة وتجربتها الفنية عمومًا وإن منحت شعورًا بأنها ذات نهاية مفتوحة.