يُعد يوم التأسيس السعودي مناسبة وطنية تعيد إلى الأذهان لحظة انطلاق الدولة السعودية الأولى عام 1727م، عندما أسس الإمام محمد بن سعود كيانًا سياسيًا موحدًا في قلب الجزيرة العربية. هذه الذكرى لا تستحضر التاريخ فقط، بل تحيي في النفوس مشاعر العزة والانتماء، ويتجسّد ذلك في العديد من النواحي مثل الفنون والتراث، بالأخص في القصائد التي تحوّلت إلى أغنيات خالدة تحكي قصة الوطن بشاعرية وسرد تاريخي.
في هذا المقال، نحلل مجموعة من القصائد التي أصبحت جزءًا من وجدان الشعب السعودي، حيث عبّرت عن روح التأسيس والقيم التي قامت عليها الدولة السعودية، من الصمود إلى الوحدة والاعتزاز بالإرث التاريخي.
نجد شامت لأبو تركي - فهد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن دحيّم
ألّف هذه القصيدة الشاعر الملقّب بـ"أبو دحّيم"، والذي كان مرافقًا للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في بعض غزواته. روى لنا قصّة القصيدة حفيد الشاعر في مقابلة حصرية، والتي كان مشهدها هو أحد احتفالات الملك عبدالعزيز قصر الحكم، ونادى فيها الشاعر وطلبه بالإسم ليتواجد بالحفل، فأقبل عليهم الشاعر رافعًا سيفه ومرددًا القصيدة.
تحكي القصيدة عن العديد من الثيمات مثل الفخر والبطولة والانتماء، فنرى الشاعر يستذكر استعادة أراضي نجد وكيف تحوّلت إلى إرض منتصرة، ثم يتطرّق إلى البعد العاطفي ويتغنّى بعلاقة نجد بأهلها في "لا بكت نجد العذيّة تهل دموعنا". وفي نهاية القصيدة، يؤكد الشاعر على أن أمجاد المملكة ما زالت باقية وستبقى على مر السنين في قوله "في تواريخ العرب راسمين علومنا/ وعادة الدنيا تزول وتدوم علومها".
غن يا وادي حنيفة - الشاعر عطالله القحطاني
تُجسّد هذه القصيدة رحلة تأسيس الدولة السعودية الأولى من خلال أسلوب شعري مفعم بالحماسة والفخر. وقد تحوّلت إلى نشيد مغنّى يعيد إحياء الذاكرة الوطنية، مستحضرًا بطولات الإمام محمد بن سعود وإرثه العريق.
يبدأ الشاعر بمخاطبة وادي حنيفة، الرمز الجغرافي والتاريخي بالمملكة الذي شهد على الأحداث المفصلية التي شكّلت الدولة، ثم ينتقل لزمن المعارك التي برز فيها الإمام محمد بن سعود كقائد ملهم بقوله "يوم صاحت والتطم قال بن مقرن وقام/ سطّر التاريخ بالعز والمجد العظيم”. لا تقف القصيدة على الانتصارات فقط، بل تمتد أبياتها إلى تأكيد الاستقرار والسلام الذي تحقق من بعده.
جمرة هل العوجا - الشاعر الراحل سمو الأمير بدر بن عبدالمحسن
لطالما تغنّى بدر بن عبدالمحسن بالمملكة وأراضيها، لكن لقصيدته "جمرة هل العوجا" وقع مختلف على أنفس الشعب السعودي، فهي تحمل معاني الفخر والولاء للمملكة وقيادتها، وتعكس العزة والثبات في المواجهة.
تبدأ القصيدة بـ" ما نيب عن هرج المعادين نشّاد/ عجاجة جانا المطر من وراها" إشارة إلى أن الأذى من المعادين سرعان ما يزول ليأتي الخير من بعده. كما يُحيي سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود في أبياته "نحتاج لك روح ونحتاجك فؤاد/ وتحتاجك أرضك يا معمر ثراها”.
قصيدة عرضة أهل الحزم - الشاعرة موضي بن سعد الدهلاوي
تعتبر هذه القصيدة أقدم قصيدة موثّقة للعرضة منذ عهد الدولة السعودية الأولى، وقد أرسلت آنها لزوجها حتى تُغنّى أثناء العرضة في حصار الرس بقيادة الإمام محمد بن سعود. تعكس القصيدة روح المقاومة والصمود، وتحمل نداءات لأهل الدرعية وأهلها للوقوف والمواجهة، كما تذكّر في أبياتها بمبدأ يقول "ما من الميته سلام" أي أن الاستسلام ليس خيارًا.
بجانب ذلك، تعتبر القصيدة مليئة بالصور الحربية مثل "في يدينا السيوف اللي شطيره/ تنزع الروس وتقص العظام" دلالة على قوّة سيوفهم بالمعارك. تعكس القصيدة أيضًا المقاومة التي تحلّت بها النساء آنذاك، كما لن ينحصر دورهم على العناية بالجرحى والعوائل وغيرها، بل شمل دورًا أدبيًا ومعنوي.
سيف - الشاعر الراحل سمو الأمير بدر بن عبدالمحسن
يعدّ السيف رمزًا جوهريًا بالتراث والثقافة السعودية، ويجسّد العديد من المعاني مثل القوّة والشجاعة، وفي بداية هذه القصيدة، يشبّه الشاعر وطنه بالسيف ليرمز للقوّة والدفاع، علاوة على الهيبة والاحترام. وفي بيت آخر، يشبّه الشاعر الوطن بالمطر الغزير الذي يسقي الأرض بكل المواسم في بيت "ولو كان غيثٍ ما سأل وسمه الصيف/ كانى سقى رميه أو أحيا ثمامه" ويُحيي كل ما حوله في "يَروي المَحل هتّانه و يسقي الريف/ سيله يَعمّ الارض رمل و عدامه".
تعتمد القصيدة بشكل عام على بناء تصويري يجعل الوطن شخصية حية متجسدة في أشكال مختلفة، وهو أسلوب يعزز قيمة الوطن ككيان معنوي ومادي لا يُضاهى.