يبدو أن اتباع نصيحة إيمينيم هذه المرة كان مفيدًا، فلا يمكن الاستمتاع بالألبوم ككل دون سماعه بالترتيب الموضوع به، وأي إخلال بهذا الترتيب يخرج سرديته عن سياقها. يرفع إيمنيم في الألبوم شعار الموسيقار محمد عبد الوهاب الشهير "لا مش أنا اللي أبكي"، فالألبوم لا يتفق مع توقعات أي شخص عداه هو. لا توجد تلك المشاركات الوداعية الشاعرية التي تسربت منذ الإعلان عن موعد الألبوم؛ لا وجود لجي كول أو فيفتي سينت أو سنوب دوج أو رويس دا فايف ناين، ولا يوجد إنتاج موسيقي ضخم، رغم إسهام الموسيقى في الخط السردي له.
ينهي إيمنيم سليم شادي بأكثر الطرق درامية عن طريق فصل درامي غنائي تمثيلي، يتنقّل بين كل مراحل الفراق، من الغضب إلى المكاشفة والحزن، حيث يأتي حل العقدة بالنهاية. ولأنها وداعية سليم شادي، فكان لنا أن نحلل العناصر التي شاركت في تلك اللعبة الدرامية.
مراحل المكاشفة
بدأ إيم رحلة ألبومه بتوضيحه لمواقفه، برفضه لفرض قيم الصوابية السياسية وخاصة تلك قد تفرض عليه من الجيل زد. استطرد بعدها وحلل في مرحلة الغضب الانتقادات الدائمة الموجهة له من المجتمع الأمريكي وجيله الجديد بخرقه الأكواد المجتمعية واصفًا إياها بعمليات ترويض، ضاربًا لها صورة خيالية شديدة الكوميدية؛ حيث شبّه اتفاقهم كلهم على أجندة واحدة بالنداء الشهير بفيلم "Avengers :End game"، "Avengers Assemble"؛ حيث يضطر الأبطال الخارقين جميعًا التكاتف لمنع ثانوس الأقوى منهم.
وبغضب مرة أخرى سخر من الذين دائمًا ما يستنكرون وجود العنف والشر، فالعالم ليس مخيمًا ليبراليًا للفنون؛ يناقش فيه الموجودون اللوحات الجميلة ويستمعون للموسيقى الهادئة، داعين لمجتمع أفضل. و إن كان العالم حساسًا تجاه الكلمات، فهناك العديد من الطرق لخلق كلمات ومصطلحات جديدة مؤذية وسامة من تلك التوصيفات الصديقة لمشاعر الناس، والتي تُستعمل من قبل تلك الدوائر بالفعل. ربط أيضًا بين التعبير عن غضبه الشديد وزهده في التفاعل مع الجمهور أو الانتقادات، فلا يملك شيئًا ليخسره، ولا يريد إثبات نفسه لأحد، قبل أن يختم مرحلة الغضب بحالة من البارانويا المُتصورة، يتخيل فيها جيل زد كله وهو يطارده.
ختم إيم فصل الغضب بـ "Houdini"، التراك الذي حمل مقاربة بين زمن صعود سليم شادي، والزمن الحالي. من خلاله نفهم كل مسببات اعتراضاته السابقة، لأنه ببساطة ينتمي بحسب رأيه لجيل أعنف، واشتبك بشكل أكبر مع المجتمع لنيل استحقاقاته. حتى في اختياره لمرافقه البديل لدكتور دي بالفيديو كليب الخاص بالتراك، يختار إيم بيت دافيدسون، الستاند أب كوميديان المشهور بالإضطرابات النفسية التي يواجهها عن طريق الكوميديا، مثله تمامًا باختلاف المجال.
تبدأ بعدها المرحلة الثانية بالمواجهة من خلال تراك "Guilty Conscience 2". واجه فيه إيمنيم سليم بحقيقة أنه يمارس الآن نفس التنمر الذي كان يمارس عليه في مراهقته وشبابه، وأنه مذنب مثل متنمريه، ولكنه فقط أتيحت له فرصة أن يقول ما يريد. نلاحظ بناء إيمينم لسرديته التي أتت في المرحلة الأولى بذكاء، فالمواجهة بين مارشال وسليم ليست مجرد مواجهة للتسليم بأنه خاطىء، ولكنها لتوضيح الفارق بينه وبين الجيل الجديد، عبر شرح ديناميكيات الحياة التي شكلت عقلية وأفكار سليم شادي، حيث التعامل كان بشكل أكبر في الواقع ولا تعالج المشكلات من خلف الشاشات. وبما أن الواقع لم يتغير من وجهة نظره، فلماذا تتغير آليات مقاومته؟
يختتم تلك المرحلة بتوضيح في تراك "Head Honcho" قائلًا: "لا يمكنكم فهمي إذ لا أعتقد أنك كنت حقيقةً غاضبًا أو حزينًا من قبل"، مستطردًا بأنها حياته المليئة بالغضب والحزن والعنف الحقيقيين التي يتمنى جيل الشاشات لو عاشها.
بعد مرحلة المواجهة لا يتبقى من سليم شيء إلا مرحلة الوداع، وهي الذروة الحقيقية لسردية الألبوم. ووداعه وداع حار يعتمد على استعادة الذكريات والكثير من الاعتذارات عن الإنشغال بالمسيرة والحياة. تحتل ابنته هايلي المكانة الأكبر من هذه الاستعادة نظرًا لكونها الإبنة الكبرى، الأكثر تضررًا من مراحل ما قبل استقرار والديها بعض انفصالهما، والأكثر تعرضًا للإساءات والدسات كلما أراد أحدهم جر إيمنيم لمجابهة. تليها بعد ذلك ابنته إلينا؛ المنسية دائمًا، والإبنة الثانية المفتقدة أيضًا. ظهر إمينيم في مساحة كان فيها الأقسى على نفسه، حين يكشف أن تلك المغامرة لم يخرج منها إلا شخصًا ممزقًا من القتال، مدمرًا بشكل لا يمكن إصلاحه، شتتته الحياة بين آماله وأحلامه، مرثية متأخرة لإم سي الهيب هوب الذي قدم ثمانية وعشرين عامًا لثقافة وصناعة الهيب هوب.
شخصيات حقيقية، وأخرى خيالية
لا جدال حول قدرة إيمينيم على دمج أكبر قدر من الشخصيات الخيالية والحقيقية من المشاهير والمرتبطين بالثقافة الشعبية الأمريكية بباراته بشكل رشيق وساخر. يأتي ذلك كجماليات فنية تعكس رؤيته لنفسه وجيله ورؤيته للجيل صاحب الصوت الأعلى حاليًا. شبّه نفسه بالكاتب الساخر مارك توين في "Renaissance"، كما شبه نفسه بجيمي كارتر في تراك "Habits"، وذكر كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية في "Brand New Dance" كزعيم متعصب لرأيه. وصف فيرساته بأنها خليط بين ناس وجي زي إيه وبيجي سمولز، وسخر من الخصومة الحالية بين نيكي ميناج وميجان ذا ستاليون، كانعكاس لشكل الصراعات الحالية.
وباستعارته من الشخصيات الخيالية المختلفة؛ نَصَّب نفسه بطلًا لفيلم "Die Hard" في تراك "Habits"، كما وصف محتواه بأنه مثل حلقة مسلسل الكارتون "Southpark " الشهيرة، التي احتوت على محتوى خارج وعنونت به. وشبه نفسه بترافيس بريكل بطل فيلم "Taxi Driver" المضطرب نفسيًا، وصور نفسه ثرثارًا عنيفًا كالكلب المتحدث "بريان" من مسلسل "Family Guy".
الفواصل الدرامية والإنتاج الموسيقي
على طريقة برنامج SNL، تأتي الاستكتشات التي تتخلل أغاني الألبوم حاملة لروح ساخرة مرحة للألبوم، مفسرة لبعض ما يمكن أن يسقط من المستمع. في "Trouble" مثلًا يجبر سليم نفسه على شرب مشروب الصراحة، حتى يقوم الجمهور بكنسلته، وفي "Breaking News" ، نسمع صوت مذيع نشرة أخبار عاجلة وهو ينقل لنا خبر تجمع متظاهرين حول منزله.
تلعب الموسيقى دورًا مشابهًا لكن بإضفاء الروح التجريبية؛ المازجة بين الجيل القديم والجيل الجديد بالهيب هوب؛ فتتشابه الفلوهات والألحان المستعملة مع الألبومات الأولى لإيمنيم، لكن مع بعض التجديد الذي لا يمس اللحن الأصلي؛ حيث يتمازج معه ليعطي روحًا جديدة.
يضيف لبعض الأغاني مؤثرات صوتية تشبه المستخدمة في أفلام الرعب، مثل في تراك "Renaissance". استعمل كذلك في "Habits" الكمان المبطأ مع الدريل، وتنفست الدرامز الصعداء في تراك "Evil"، بتتابع عشوائي بلا رتم مقارب للصولو ولكن بتقاطع مع مفاتيح البيانو عالية النوتات. كما يدمج في أقوى التعاونات الموجودة بالألبوم مع جيد، بين الضجيج والتشويش، مع لمسة من لحن الجيرسي.
ولا ننسى ذكر مجموعة التراكات المسمبلة في "Houdini، من "Without Me"، لـ "Just Lose It"، و"My Name Is". كما استعمل أيضًا لحنًا من "Abracadabra" لفرقة ستيف ميلر. شارك بالإنتاج الموسيقي للألبوم كلاً من إيمنيم بنفسه، وديم جوينتس وفريدويرك وكوبيتز وكول بينيت ودي جي بريمير. كما شارك كل من دكتور دري، ولويس ريستو في إنتاج بعض الأغاني.