نعود في مراجعة بيلبورد الكلاسيكية هذا الأسبوع إلى ألبوم "اعتزلت الغرام" لماجدة الرومي، الذي صدر عام 2006، وجاء بعد فترة انقطاع طويلة عن إصدار الألبومات؛ حيث كان آخر ألبوم أصدرته ماجدة الرومي قبله، هو ألبوم "أحبك وبعد" سنة 1998، واقتصر نشاطها بعده على إقامة بعض الحفلات وإصدار ألبومي ترانيم دينية. في الوقت الذي ظنّ فيه الجميع أن ماجدة الرومي باتت من الماضي، عادت بحُلة جديدة تمامًا، لتبدو متحررة من الرصانة التي لطالما لازمتها، فنراها تُغني وتتحرك وتتفاعل بما يتناسب مع لغة العصر في كليب "اعتزلت الغرام" الذي أخرجته نادين لبكي.
تغيّرت خارطة الموسيقى العربية منذ أن أصدرت ماجدة الرومي آخر ألبوماتها، فما بين عام 1998 و2006، حدثت العديد من الأمور التي أثّرت على بشكل واضح على ذائقة الجمهور العربي عمومًا، كانتشار فضائيات الكليبات التي ساهمت بشكل كبير بدفع جيل جديد من النجمات إلى الواجهة، وظهور برامج اكتشاف المواهب الغنائية، مثل سوبر ستار وستار أكاديمي، التي قدمت دفعة للأجيال الجديدة على حساب نجوم المرحلة السابقة. بعض الأحداث الأخرى كان لها تأثير مُباشر على إرث ماجدة الرومي الفني، مثل موت نزار قباني، الذي غنّت ماجدة الرومي من أشعاره العديد مرارًا. حينها انتشرت الأغاني التي كتبها نزار قباني على نطاق واسع بتأثير الحدث المُفجع، قبل أن يتخطاها الزمن ويطوي صفحاته ويُعلقها على جدران الماضي، الذي حجزت أغاني ماجدة الرومي رُكنًا فيه، لتترسخ مكانتها في الأمجاد الموسيقية الغابرة.
عرفت ماجدة الرومي كيف تتعامل مع التغيرات التي طرأت على الواقع الفني، فاستعانت بالمخرجة المبدعة نادين لبكي لتدخل فضائيات الكليبات بصورة بصرية مُثيرة تواكب العصر. تعاونت مع شعراء غنائيين ومُلحنين وموزعين ساهموا بنجاح الجيل الجديد من النجوم، مثل نزار فرنسيس ومروان خوري وجان ماري رياشي، مع المحافظة على تعاونها مع بعض الأسماء المؤثرة التي ساهمت بصناعة إرثها بالتسعينات، فتضمّن الألبوم أغنية من كلمات نزار قباني وأخذت من أبيها لحن أغنية "يا معذب قلبي" وواصلت تعاونها مع عبد الرب إدريس. هكذا شكّلت ماجدة الرومي هوية ألبومها الأكثر إثارة، بمزج عناصر ساهمت بصناعة إرثها الفني مع عناصر أثبتت فعاليتها في المشهد الموسيقى المعاصر، وأضافت الكرزة إلى الكيكة بتعاونها مع الموسيقار الكبير الذي لم يسبق لها أن تعاونت معه، ملحم بركات، والذي قدّم لها لحن الأغنية التي حمل الألبوم اسمها، "اعتزلت الغرام". ساهم لحن أبو المجد المرن بتقديم ماجدة الرومي بالشكل الأمثل، لتضع نفسها في مكانة خاصة بين الموسيقى الكلاسيكية والمعاصرة، كما لعب جان ماري رياشي دورًا هامًا بتوزيع الأغنية وتقديمها بقالب حيوي ورشيق يُقرّب ماجدة الرومي إلى شريحة جديدة من الجمهور الأصغر سنًا.
أما العنصر الثالث الذي ساهم بنجاح أغنية "اعتزلت الغرام" فهو كلماتها، التي ذُكر على غلاف الألبوم أنها من كتابة نزار فرنسيس ونهى نجم. ورد اسم نهى نجم لأول مرة ككاتبة لأغنية "بسمعك بالليل" على غلاف ألبوم "يا ساكن أفكاري" الذي أصدرته ماجدة الرومي سنة 1988، قبل أن يتكرر ظهور اسمها على أغلفة ألبومات ماجدة الرومي في التسعينات، ككاتبة لأغاني "الأيام" و"طفلة صغيرة" و"لما بوردة تمسيني". حضر اسم نهى نجم بألبوم "اعتزلت الغرام" بكثافة أكبر، ككاتبة لخمس من أغاني الألبوم، بعضها منفردة وبعضها بالشراكة مع نزار فرنسيس. جاءت المفاجأة بعدها باعتراف ماجدة الرومي بأن نهى نجم ليس إلا اسمًا مستعارًا توارت خلفه، ونسبت إليه الأغاني التي ألفتها خوفًا من أن تتعرض للانتقادات؛ الخوف الذي تلاشى بعد نجاح الأغاني التي ألفتها نهى نجم/ ماجدة الرومي في ألبوم "اعتزلت الغرام". ذكرت ماجدة الرومي في مقابلات لاحقة أنها استوحت أغنية "اعتزلت الغرام" من انطوان دفوني، زوج أختها المتوفاة، الذي لم يتزوج من بعدها وظل يزور ضريحها ويُردد: "أنا من بعدك اعتزلت الغرام"، وهي الجملة التي أعجبت ماجدة الرومي، وكانت اللبنة الأساسية لبناء الأغنية الأكثر نجاحًا من تأليفها.
لم تكن أغنية "اعتزلت الغرام" الهيت الوحيدة التي كتبت كلماتها ماجدة الرومي من بين أغاني الألبوم، فهي التي كتبت كلمات أغنية "حبيبي" أيضًا على لحن أغنية "Adagio" للارا فابيان، وشاركها بكتابة الأغنية نزار فرنسيس. شاركها أيضًا كتابة كلمات الأغنية الرومانسية الكلاسيكية الأخرى"بالقلب خبيني"، التي لحّنها ووزعها ماري رياشي، لتكون أكثر أغاني ماجدة الرومي رومانسيةً في الألبوم، وربما على امتداد مسيرتها. أما دون نزار فرنسيس، كتبت ماجدة الرومي كلمات أغنيتين لوحدها؛ إحداهما صارت أيقونة من أيقوناتها، وهي الأكثر تشغيلًا في اللحظات الأكثر رومانسية في حفلات الزفاف، ونقصد هنا "طلي بالأبيض طلي" على لحن مقطوعة "نشيد الزفاف" الكلاسيكية لـ مانديلسون.
في عام 2006 كان مروان خوري متسيدًا عرش الأغنية اللبنانية، تحقق الأغاني التي يكتبها ويلحنها نجاحًا كبيرًا على مستوى الوطن العربي. تعاونت معه ماجدة الرومي بأغنية "غني للحب" كلامًا ولحنًا، وهي من توزيع كلوب شلهود. لكن تجربتها الأكثر تميزًا مع مروان خوري هي التجربة التي جاءت بسياق مختلف خارج كل التوقعات، في أغنية "أحبك جدًا" التي افتتحت بها الألبوم، والتي لحّن فيها مروان خوري قصيدة لنزار قباني، ليُقدمها بلحن رشيق ذو رتم سريع، ويُغرّد خارج السرب، بتعامله المرن مع القصيدة. جارت الأغنية إيقاعات الهيتات الدارجة حينها، وغدت أكثر عصرية مع توزيع جان ماري رياشي، الذي اعتمد على بيت سريع وملأ الفراغات بضجيج الآلات النفخية.
وفي المقابل، فإن بعض أغاني الألبوم بدت امتدادًا لتجربة ماجدة الرومي في التسعينيات، ولاسيما أغنيتي "الحب والوفاء" و"في ليلك الساري"، اللتان تعاونت بهما مع شركائها القدامى، واللتان كتبهما الناصر ولحّنهما عبد الرب إدريس، ولكنهما اكتسبا ملامح أكثر عصرية مع توزيعات إسماعيل تونش بلاك. ولم ينتهي الألبوم دون إضافة أغنية وطنية، واكبت بها ماجدة الرومي الأحداث السياسية التي تزامنت مع وضع اللمسات الفنية الأخيرة على الألبوم؛ حيث كان لبنان على صفيح ساخن في صيف 2006، وشهد أحداث حرب تموز؛ لتختتم ماجدة الرومي الألبوم بأغنية "سوف نبقى" من كلمات سعيد عقل وألحان جوزيف خليفة وتوزيع كمال سيقلي، لتختتم الألبوم الأكثر جرأة بمسيرتها برصانتها المعتادة.