عادت أنغام بعد غياب دام أربع سنوات إلى الساحة الغنائية بألبومها الجديد "تيجي نسيب"، الذي يُعتبر الإنتاج الأول لـ"صوت مصر"، التي أسستها أنغام بعد انتهاء عقدها مع روتانا. يُشكل هذا الانتقال إلى الإنتاج الذاتي خطوة جريئة تعكس رغبة أنغام في التحكم الكامل بمسيرتها الفنية وتقديم أعمال تعبّر عن رؤيتها الموسيقية بالمُطلق. ونجحت أنغام بجذب الاهتمام لتجربتها الجديدة قبل إصدار الألبوم، عن طريق حملة التسويق غير التقليدية، والتي اتسمت بالتفاعلية، حيث أطلقت أنغام مسابقة على حساباتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، قامت فيها بنشر صورة غامضة تحتوي على كلمات مُبعثرة من أغانيها الجديدة، لتدفع الجمهور للتفاعل مع كلمات الأغاني، التي حاولوا أن يعيدوا ترتيبها.
يضم ألبوم "تيجي نسيب" 12 أغنية، تُظهر فيها أنغام براعتها في انتقاء الكلمات والألحان التي تتناسب مع حساسيتها الفنية العالية، وتتعاون في الألبوم مع شعراء غنائيين وملحنين وموزعين من أجيال موسيقية مختلفة، لتُجمع النغمات والأصوات والمفردات الشعرية المتباينة وتضعها في بوتقة واحدة، لتنصهر جميعًا في صوت أنغام العاطفي المشحون بالشجن، والذي يطغى على باقي العناصر.
شهد الألبوم العديد من المفاجآت غير المتوقعة على مستوى التعاونات، حيث تعاونت مع الفنان متعدد المواهب أكرم حسني، ليكتب لها كلمات أغنيتي "تيجي نسيب" و"خليك معاها"؛ لتستفيد من المُصطلحات الفريدة التي يستخدمها أكرم حسني وتوظفها بسياق عاطفي درامي يُناسب شخصية أنغام الفنية. وتعاونت كذلك مع الشاعر الغنائي مصطفى حدوتة، الذي نال شهرته من خلال كتابة كلمات أغاني المهرجانات المُثيرة للجدل، والذي خطى مؤخرًا بعض الخطوات المثيرة للاهتمام بتعاونه مع نجوم البوب المصري، أبرزها تعاونه مع عمرو دياب بأغنية "يا قمر" في ألبومه الأخير "مكانك". وقد تعاونت أنغام مع مصطفى حدوتة بأغنية "موافقة"، التي جرّب فيها أن يكتب كلمات تُلائم شخصية أنغام، وأضفى بمعجمه اللغوي الخاص جماليات إضافية للألبوم. لكن المفاجأة الأكبر تمثّلت بتقديم أنغام أغنية لحّنها الراحل رياض الهمشري، الذي مضى على رحيله 17 سنة؛ لتكون أغنية "وبقالك قلب" التي تميّز لحنها بالطابع الطربي، تكريمًا لمسيرته الفنية المليئة بالإبداعات والتي أثرت الموسيقى العربية بشكل كبير.
يحمل ألبوم "تيجي نسيب" طابعًا دراميًا واضحًا، وتُشكّل أغانيه فصولًا من قصة عاطفية حزينة ومعقدة، تروي فيها أنغام حكايات عن الحب الضائع والآلام التي تشعر بها المرأة العاشقة في حالات مختلفة. الأغنية الرئيسية التي يحمل الألبوم اسمها، "تيجي نسيب"، تحمل في طياتها حكاية مؤلمة عن الفراق والانفصال بعد محاولات عديدة لإنقاذ العلاقة العاطفية التي لم تعد قابلة للاستمرار. تبدأ الأغنية بدعوة مؤلمة للفراق النهائي: "تيجي نسيب/ تيجي نجيبها في النصيب"، لتُعلن أنغام عن الرغبة بإنهاء العلاقة التي أصبحت عبئًا ثقيلًا على الطرفين، حيث تتزايد احتمالات الفراق كل يوم بينهما: "احتمالات الفراق كل يوم بتزيد ما بينا/ حتى لحظات الإتفاق بينا قلت سنة سنة". والمُثير بالأغنية التي كتب كلماتها أكرم حسني ولحّنها إيهاب عبد الواحد ووزعها حسن الشافعي أن قرار الانفصال لا يبدو تقليديًا ولا يأتي بعد فصل الخيانة وأن الخلافات العميقة قد أدت له بالنهاية، بل نابع من الإحساس بالبرود والملل: "الملل لا يحتمل راح الأمل خد حتة منا"، ولكن أنغام تختتم الحكاية بإرتداء ثوب الضحية وإعلان الهزيمة: "مبروك عليك، مبروك اللمعة اللي في عينيك/ مبروك خلاص إنت إنتصرت وأنا إنهزمت وإنكسرت".
تتمحور العديد من أغاني الألبوم حول لحظات الانفصال والقرارات التي تأتي متأخرة لتضع حدًا للعلاقات السامة، منها أيضًا أغنية "موافقة" التي كتب كلماتها مصطفى حدوتة ولحّنها إيهاب عبد الواحد ووزعها مصطفى نجم. تُعبرالأغنية عن قرار حاسم بالانفصال في سياق علاقة عاطفية مليئة بالتوتر والصراعات. في هذه الأغنية تُقرر أنغام أن تتحمل المسؤولية عن الانفصال وتؤكد على ضرورة العودة إلى الحياة الطبيعية بعد هذه العلاقة السامة: "موافقة أسيبك وتسيبني/ ونرجع كل حاجة مكانها/ رجعلي لشخصيتي كيانها". يلمع في بكلمات الأغنية شعور الأمل بأن الانفصال قد يُعطي مفعول آلة الزمن، ويُعيد كل شيء لحاله كما كان قبل الارتباط، ليُشير ذلك إلى الرغبة في استعادة الهوية المفقودة والعودة إلى الحياة الطبيعية التي تفتقدها. تتميز أغنية "موافقة" بتأثيرات موسيقى السوفت روك، وبوتيرتها التصاعدية، التي تبلغ أعلى ذروة لها في المقطع الأخير، الذي ترتفع به الطبقة نصف تون، على غرار أغاني السوفت روك في التسعينيات.
تمتد تأثيرات موسيقى الروك لأغاني أخرى عن الانفصال، كأغنية "خليك معاها" التي تبدو امتدادًا لخط واضح في مسيرة أنغام، التي خصصت العديد من الأغاني التي تهتم فيها بالطرف الثالث في مثلث العلاقة العاطفية، حيث تضع نفسها بمكان الآخرين، ويقودها التعاطف إلى التنحي وإفساح المجال. تبدأ الأغنية بدعوة صريحة للحبيب للبقاء مع الطرف الثالث: "خليك معاها وبلاش تفكر/ ما بقيتش قادرة ع الحيرة ديا". ففي الأغنية تُحاول أنغام أن تتخذ القرار الذي لا يتوافق مع مشاعرها، لتدفع الحبيب التائه بين حُبين إلى المضي قدمًا، مع محاولة إنكار مشاعر الحب التي قد تقف عائقًا: "حبيتني جايز كانت محاولة/ مين فينا أولى أنا ولا هي". كتب كلمات الأغنية أكرم حسني ولحّنها إيهاب عبد الواحد ووزعها نادر حمدي.
والأغنية الثالثة والأكثر إثارة بين الأغاني التي تستخدم موسيقى الروك في الألبوم، هي أغنية "ما كنش وقته"، التي كتب كلماتها أمير طعيمة ولحّنها إيهاب عبد الواحد ووزعها مادي. تُعبر الأغنية عن المشاعر العاطفية في علاقة على مشارف الانفصال، والإحساس بالألم العميق الناتج عن انكشاف حقيقة الحبيب بعد فترة من الوهم والسعادة الكاذبة: "عيشني في الأحلام معاه/ غمضت عيني مشيت وراه"، مما يعكس الانغماس الكامل في الحلم الجميل مع الحبيب، قبل الوصول إلى لحظة الصدمة والانكسار عند اكتشاف الحقيقة: "ماكانش وقته تبان حقيقته/ ما كان يسيبني أ́حلم شوية".
أما الفصول الأقل مرارةً في الحكايات العاطفية التي ترويها أنغام بأغانيها تُلازمها توزيعات البوب اللاتيني، مثل أغنيتي "أيه الأخبار" و"القلوب أسرار" من توزيع تميم. لكن ذلك لا يُمثل قاعدة عامة، فأغنية "هو أنت مين" التي كتبتها هالة الزيات ولحّنها محمود خيامي ووزعها طارق مدكور، تُعبّر فيها أنغام عن استنكارها للاستهتار بالحب والذكريات، ولكن صوت أنغام وموقفها لا يصل إلى حد الانكسار، ولا تصل لإنكار الذات الذي يُلازم ما تبقى من أغاني الانفصال.