بمناسبة عيد ميلاد النجم عمرو دياب الـ 63، نعود في المراجعة الكلاسيكية هذا الأسبوع إلى إحدى المحطات المهمة في مسيرته الفنية مع ألبوم "قمرين"، الذي صدر في صيف 1999، وترك بصمة لا تُمحى في عالم الموسيقى العربية، ولايزال أثرها ممتدًا بعد مرور 25 سنة. نُسلط الضوء على تفاصيل الألبوم، الذي نجح فيه عمرو دياب في وضع الموسيقى العربية على نفس سكة الموسيقى العالمية ومواكبتها، مسجلًا بذلك واحدة من أنجح تجاربه الفنية وأكثرها تأثيرًا حتى اليوم.
في تلك الفترة، كان عمرو دياب يعيش مرحلة استثنائية من مسيرته بعد أن حقق نجاحًا عالميًا مع أغنية "نور العين" في عام 1996، وبدأ يبحث عن طريقة يضمن بها استمرارية هذا النجاح. بعد أخذ وقت كافٍ للتفكير والتخطيط، أصدر ألبوم "عودوني" في 1998، الذي مثّل الفصل الأخير من شراكته الناجحة مع الموزع الموسيقي حميد الشاعري. تلك الشراكة التي بدأت منذ أن وزّع الشاعري نصف أغاني ألبوم "ميال" 1988، الذي سطر النجاحات الأولى في مسيرة عمرو دياب، واستمرت الشراكة بينهما طوال التسعينيات، حيث تولى حميد الشاعري توزيع العديد من الألبومات الناجحة، بما فيها: "متخافيش" 1990، "أيامنا" 1992، "ويلوموني" 1995، "راجعين" 1995، "نور العين" 1996، وأخيرًا "عودوني" 1998.
كان صوت عمرو دياب دائمًا يُهيمن بشكل كامل على كل ألبوماته، حيث يؤدي بنفسه مقاطع الغناء والكورس، ولم يسبق له أن تعاون مع أي نجم آخر وسمح لصوته بالتسلل إلى ألبوماته. لكن ألبوم "قمرين" جاء ليكسر التقاليد التي اعتادها جمهور عمرو دياب. كان يفكر حينها في حضوره كفنان عالمي، لذلك اتجه نحو التعاون مع فنانين من مشاهد موسيقية في محاولة لتعزيز انتشاره والوصول إلى جمهور جديد. من بين هؤلاء، اختار نجم الراي الشاب خالد، الذي كان قد سبق عمرو للعالمية مع أغنية "دي دي" في أوائل التسعينيات، والمغنية اليونانية أنجيلا ديميتريو، التي حققت بدورها شهرة عالمية مع أغنيتها "Magapay" التي صدرت في 1996 بالتزامن مع "نور العين".
في هذا المشروع الفني، اعتمد عمرو دياب على الموزع الموسيقي طارق مدكور، الذي وزّع كل أغاني الألبوم باستثناء "قلبي". وسبق لعمرو دياب أن تعاون مع طارق مدكور منذ بداياته في أغنيتين من ألبوم "غني من قلبك" 1984، وفي أغاني متفرقة بألبومات في نهاية الثمانينيات وألبوم "يا عمرنا" سنة 1993. إلا أن طارق مدكور كان قد وصل إلى مرحلة النضج الفني في نهاية التسعينيات، حيث شكّل هو وعمرو دياب ثنائيًا ناجحًا امتد لثلاثة ألبومات متتالية: "قمرين" (1999) و"تملي معاك" (2000) و"أكثر واحد بيحبك" (2001). هذه الألبومات رسمت شكل موسيقى البوب المصري الحديثة ووضعت عمرو دياب في مقدمة المشهد الموسيقي العربي.
جيل جديد من صنّاع الأغاني
وخلال هذه الثلاثية، تغيّر شكل ألبومات عمرو دياب، فازداد عدد الأغاني فيها من 8 إلى 10، باستثناء أول ألبومات الثلاثية، "قمرين". ولكن التغيير الأبرز كان يتعلق بالتطور والاعتماد على جنرات موسيقية جديدة؛ فعلى عكس ألبوماته السابقة التي كانت تعتمد بشكل كبير على موسيقى المقسوم، شهد "قمرين" انحسارًا لهذا النمط، حيث تواجدت موسيقى المقسوم في أغنيتين فقط من الألبوم، فيما استبدلت بأنماط موسيقية غربية متنوعة، مما جعل الألبوم مواكبًا للموسيقى العالمية. كما شهد الألبوم إدخال جنرات موسيقية متعددة مثل السوفت روك والراي والبوب اليوناني، إلى جانب استمرار تجربة عمرو دياب في تعريب البوب اللاتيني، التي بدأها مع حميد الشاعري، بأغاني مثل "ويلومني" و"نور العين"؛ بالأغنية الرئيسية "قمرين" مثلت تتويجًا لهذه التجربة واحتفظت بالجنرا اللاتينية التي أحبها جمهوره.
وفي هذا المشروع الموسيقي الطموح، اختار عمرو دياب التعاون مع جيل جديد من الشعراء والملحنين، من بينهم محمد الرفاعي وأيمن بهجت قمر وشريف تاج وعمرو مصطفى. هذه التغييرات أدت إلى تجديد موسيقى عمرو دياب وضخ دماء جديدة في مشروعه الفني، بينما أنهى علاقته الطويلة مع مدحت العدل وأحمد شتا ورياض الهمشري. ومع أن هذه الخطوة جلبت ردود فعل متباينة، حيث وجد بعض محبيه القدامى صعوبة في تقبل هذا التغيير الجذري، إلا أن الألبوم نجح في إحداث تأثير كبير على الساحة الفنية.
يتألف ألبوم "قمرين" من ثماني أغاني موزعة على وجهي شريط الكاسيت. يُظهر الوجه الأول انسلاخًا تامًا عن التجربة السابقة لعمرو دياب، ويضم بالترتيب: "قمرين"، "أنا"، "قلبي" و"أنا بحبك أكتر". في المقابل، يبدو الوجه الثاني أكثر اتصالًا بأسلوبه القديم، ويحتوي على الأغاني: "بتوحشني"، "ولسه بتحبه يا قلبي"، "خليك فاكرني" و"حكايتي اللي أنا عشتها"، ففيه تحضر أغاني المقسوم، ويُقدم عمرو دياب أغاني عاطفية يغلب عليها الطابع الدرامي، وتبدو متصلة بسياق واحد. يبدأ بالتعبير عن الأشواق بأغنية "بتوحشني"، وتقريع الذات على عدم القدرة على تجاوز حكاية الحب، التي تحولت فجأة إلى علاقة من طرف واحد بأغنية "ولسه بتحبه يا قلبي"، واستجداء الحب حتى ولو تحول إلى "ذكرى" بـ"خليك فاكرني"، وتقييم العلاقة بنظرة عامة مع تجاوزها بأغنية "حكاياتي اللي أنا عشتها".
الجرأة في توجيه التعاونات
وباستثناء أغنية "خليك فاكرني" التي كتب كلماتها عادل عمر ولحّنها عمرو مصطفى" وتميزت بتوزيعها، الذي استحضر للمرة الأولى أسلوب السوفت روك، وقدم فيها عمرو دياب أفضل أداء له ضمن الألبوم، فإن الوجه الثاني من شريط الكاسيت أقل جودةً وإبداعًا من الوجه الأول منه.
يبدأ الوجه الأول بالأغنية الرئيسية "قمرين"، التي لا تزال تحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم. كتب كلماتها محمد الرفاعي ولحّنها شريف تاج. كان عمرو دياب قد صرّح في وقت سابق أنه أهدى هذه الأغنية لتوأميه عبد الله وكنزي، رغم شائعات انتشرت حينها حول ظهورهما في الفيديو كليب الذي أخرجه شريف صبري. استمدت الأغنية إيقاعاتها من الموسيقى اللاتينية الحديثة بشكل أكثر تطورًا بالمقارنة مع تجاربه السابقة في هذا النمط، ما جعلها تُحاكي تجارب فنانين عالميين مثل ريكي مارتن وإنريكي إغليسياس، وهي خطوة استبقت النجاح الهائل لأغنيته التالية "تملي معاك".
تلتها أغنية "أنا"، التي كتب كلماتها عبد المنعم طه ولحّنها عمرو محمود، والتي تبرز كواحدة من أكثر الأغاني تجريبية وحداثة في الألبوم. تعتبر "أنا" أول أغنية بوب مصري تعتمد على تقنية الأوتوتيون، التي استخدمها عمرو دياب بجملة "بشوف عنيك المنا". تمزج الأغنية بين الموسيقى الشرقية والغربية بأسلوب مبتكر، وتصل إلى ذروتها في اللحظات الأخيرة من الصولو الموسيقي الذي يعتمد على الصمت كعنصر إيقاعي.
الأغنية الثالثة من الألبوم هي "قلبي"، التي تعاون بها عمرو دياب مع الشب خالد، والتي تعتبر من أكثر اللحظات جرأة في مسيرة عمرو دياب. الفكرة بدأت عندما زار الشاب خالد مصر للقاء عمرو دياب والتخطيط للدويتو. أثناء التحضير، استمع الشب خالد إلى أغنية "قمرين" التي كانت قد اكتملت بالفعل، وأبدى إعجابه الشديد بها. اقترح الشب خالد أن يستخدم لحن "قمرين" لإنتاج أغنية دويتو جديدة. رغم أن الفكرة كانت غير تقليدية ومثيرة للجدل، وافق عمرو دياب على التحدي، وتم كتابة كلمات جديدة لأغنية "قلبي" من قبل مجدي النجار على نفس لحن "قمرين". أضاف الشاب خالد لمساته الخاصة على الموسيقى، خاصة في فواصل الأغنية، ليخلق جملة لحنية مميزة تعتمد على أسلوب الراي. التوزيع الموسيقي الذي تولاه فريد عوامر أعطى الأغنية طابعًا خاصًا بالاعتماد على الكمانجات بشكل أساسي. وهكذا، نجح عمرو دياب في تقديم أغنيتين بنفس اللحن ضمن نفس الألبوم، وهو رهان جريء نجح فيه بشكل كبير.
أما الأغنية الأخيرة في الوجه الأول، فهي "أنا بحبك أكتر"، التي تعاون فيها مع المغنية اليونانية أنجيلا ديميتريو. كتب كلماتها محمد الرفاعي ولحّنها شريف تاج، وتأتي هذه الأغنية كاستمرار لتعاونهما الناجح بعد الأغنية المنفردة "حبيبي" التي صدرت في بداية 1999، ولتكون بتعددها الثقافي لغويًا وموسيقيًا تتويجًا لمشروع عمرو دياب الذي ختم به مرحلة التسعينيات.