برز أحمد سعد في الفترة الأخيرة بفضل مجموعة متنوعة من الأغاني الناجحة، سواء التي قدمها بمفرده أو بالتعاون مع فنانين آخرين. هذه الاختيارات الدقيقة جعلته يتصدر قوائم الاستماع، حيث حافظ على وجوده لمدة 37 أسبوعًا في قائمة 100 فنان، ويحتل حاليًا المرتبة الثامنة فيها. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة لمسار طويل مليء بالقرارات المدروسة التي أكسبته شعبية واسعة وجعلته من بين الأوائل في مجاله.
كانت انطلاقة أحمد سعد الحقيقية عندما قام بالصدفة بتلحين أغنية "طب ليه" للنجم راغب علامة عام 2002، والتي حققت نجاحًا كبيرًا وما زالت تحتفظ بشعبيتها حتى اليوم. رغم هذا النجاح كملحّن، لم يتخلَّ أحمد عن حلمه في أن يصبح مطربًا، فكانت خطوته التالية هي إصدار ألبومه الأول "أشكي لمين" عام 2003، وهو الألبوم الذي نحتفي به في مراجعتنا الكلاسيكية لهذا الأسبوع.
ضمّ الألبوم 8 أغنيات متنوعة دارت موضوعاتها في إطار العلاقات العاطفية. لكن من أكثر الأمور اللافتة للنظر في هذا الألبوم هو اسمه، حيث ذكّرنا بأغنية "أشكي لمين" التي لحنها بليغ حمدي في الثمانينيات في الأصل لمحمد الحلو، لكن استأذنهما محمد منير ليقدمها بتوزيع مختلف في ثالث ألبوماته "شبابيك" وحققت نجاحا كبيرًا. كان من ذكاء أحمد سعد وقتها استحضار هذا النجاح في أذهان الجمهور بتسمية الألبوم بهذا الاسم.
يبدأ الألبوم بالأغنية الرئيسية التي تحمل اسمه، وتستلهم إيقاعاتها من الموسيقى الإسبانية، حيث يعبّر سعد من خلالها عن مشاعره بحرقة وهو يتحدث إلى نفسه متسائلًا عما جرى بينه وبين حبيبته التي تركته وحيدًا يتألم. تتميز الأغنية بنبرة عتاب راقية، بعيدة عن أي مبالغة درامية، ويقدم فيها سعد أداءً استثنائيًا يبرز جماليات صوته وإمكانياته الفريدة من خلال العُرب التي تزيّن الأغنية في عدة مواضع. كتب كلماتها الشاعر الشيخ صباح الناصر الصباح، الذي دعم موهبة سعد وتبناه فنيًا، حيث أنتج له هذا الألبوم من خلال شركته هاب للإنتاج والتوزيع الفني، أما اللحن فمن تأليف حمدي صديق، ومن توزيعات حازم رأفت. تم تصوير الأغنية كفيديو كليب وعُرضت على الفضائيات بالتزامن مع إصدار الألبوم، وأضفى الإيقاع على الفيديو بعض الرقصات على الطريقة الإسبانية ما أضاف إلى الأداء التمثيلي لسعد.
في إطار الألبوم نفسه، قدّم أحمد سعد فيديو كليب آخر لأغنية "جراحي"، التي جاءت على النقيض تمامًا من أغنية "أشكي لمين". تفيض "جراحي" بالأسى والجراح، ونجحت بفضل طابعها الدرامي في تحقيق نجاح كبير يتجاوز ما حققته "أشكي لمين". أظهرت الأغنية براعة سعد في استعراض إمكانياته الصوتية، حيث مكّنته الجمل اللحنية التصاعدية من التنقل بسلاسة بين طبقات القرار والجواب. كتب كلمات الأغنية أحمد شتا، ولحنها محمود الخيامي، فيما تولى التوزيع محمد عرام. قدّمت الأغنية توليفة حزينة متكاملة، تعجّ بالآلات الوترية والإيقاعات التي تعزز من جوّها الكئيب، واختتمت بآهات كانت أقرب إلى صرخات تعبيرية في وجه الألم.
عُرف أحمد سعد من خلال هذا اللون الموسيقي الحزين، واستغل هذا النجاح في ألبومه التالي "وحشتني عيونك" الصادر عام 2007، حيث زاد من جرعة الأسى والدراما، مقدمًا أغنيات مثل "يا خسارة"، "كل ليلة"، و"النهاردة زي بكرة"، التي حافظت على بصمته الفنية في هذا السياق الدرامي المؤثر.
في أغنية "عزيز عيني"، تجدد التعاون بين الشاعر أحمد شتا والملحن محمود الخيامي، ليقدّما عملًا مميزًا يحمل توقيع الموزع الموسيقي محمد مصطفى. اعتمدت الأغنية على إيقاعات المقسوم الشرقية التي أضفت عليها طابعًا مفعمًا بالحيوية والدفء. من خلال الكلمات، عبّر أحمد سعد عن شوقه العميق لحبيبته، مستجديًا عودتها إليه ومطالبًا بالطمأنينة على حالها بعد الفراق. "سلملي عليك يا عزيز عيني/ طمني في بعدك رسيني/ يا واحشني لقاك"، لخّصت هذه الجملة المشاعر بصدق وحرارة، مضيفةً لمسة من الحنين والتوق إلى اللقاء المرتقب.
قدّم أحمد سعد في هذا الألبوم أغنية واحدة من ألحانه هي "اللي بيعجبني"، التي كتب كلماتها وليد الشاعري ووزعها طارق توكل، غلب عليها الطابع الفلكلوري وذكّرتنا بأغنيات الريس متقال، إذ برز في الفواصل المزمار والربابة إلى جانب الكمان والإيقاعات الشرقية.
عُرف الملحن الدكتور يعقوب الخبيزي ببصماته المميزة في عالم الموسيقى الخليجية، وكان له لمسة لا تنسى في هذا الألبوم بأغنية باللهجة المصرية بعنوان "الهوى مكتوب"، التي كتب كلماتها الشاعر عبد العزيز الميلس ووزعها عمرو عبد العزيز. تناولت الأغنية حالة التقلبات التي يعيشها الإنسان والمشاعر المتضاربة بين الفرح والحزن في علاقات الحب، ورغم أن الحب مكتوب على الجميع، إلا أنه قدّم هذه الحالة من خلال سردية مميزة، تصور الحب كلعبة يتأرجح فيها الإنسان بين الغلبة والهزيمة. أما الموسيقى فقد أكملت الصورة حيث جمعت بين الإيقاعات الشرقية والآلات الوترية، أضاف إليها أحمد سعد بصمته الخاصة بأدائه القوي وإحساسه العالي، ما جعلها تترك أثرًا قويًا في قلوب مستمعيه.
لم يغفل سعد عن تقديم جرعة من الرومانسية من خلال أغنية "حبيب روحي"، التي من خلالها يغمر حبيبته بكلمات الحب والغرام، ومع ذلك تضمنت الموسيقى لمحات من الحزن تجلت في الفواصل الموسيقية بفضل الآلات الوترية المستخدمة، وذلك بسبب خوفه من الفراق: "ولو الفراق جانا/ هنقوله ينسانا/ ويشوف قلوب تانية/ ويسبنا لهوانا". كتب الأغنية محيي حوار ولحنها شادي عويضة ووزعها محمد عرام.
يعتبر الألبوم الأول لأي فنان بمثابة البطاقة التعريفية التي تربطه بجمهوره، وحرص أحمد سعد على تقديم مجموعة متنوعة من الأغاني التي تُبرز إمكانياته الفنية وتنمّ عن وعيه وحسن اختياره للموضوعات، مثل أغنية "بتصدق كدابين" التي كتبها مصطفى مرسي ولحّنها وليد سعد ووزعها طارق عاكف. جاءت الأغنية درامية يعبّر من خلالها عن شعوره بالظلم على يد حبيبته التي أعطاها قلبه، لكنها فضلت أن تصدق بعض الأكاذيب بدلًا من التمسك به. ذكّرتنا هذه الأغنية بأخرى تناولت الموضوع نفسه، وهي "امشي ورا كدبهم" التي قدمتها ديانا حداد عام 1999 وحققت نجاحًا كبيرًا، ما يعزز حضور هذه النوعية من الأغاني الدرامية في الذاكرة الموسيقية العربية.