كان عام 2003 عامًا استثنائيًا في المشهد الموسيقي، حيث شهد انطلاقة العديد من النجوم الذين أصبحوا رموزًا في موسيقى البوب اليوم. من بين هؤلاء النجوم، يبرز اسم محمد حماقي، الذي احتفل في شهر يوليو/ تموز الماضي بالذكرى السنوية لمرور واحد وعشرين عامًا على صدور ألبومه الأول "خلينا نعيش". ضمَّ الألبوم 10 أغان، وحقق نجاحًا كبيرًا عند صدوره، مما شهد ميلاد نجم جديد في عالم الغناء.
قد يظن البعض أن الحظ كان حليف حماقي في بداياته، ولكن الحقيقة أن موهبته وعمله الدؤوب وإصراره، كانوا الأسس الحقيقية لنجاحه. منذ صغره، امتلك حماقي صوتًا عذبًا، كان يحيي به حفلات المدرسية ويشارك في الأنشطة الغنائية. لكّن راوده حلم آخر في فترة مراهقته، بأن يصبح لاعب كرة قدم في صفوف فريقه المفضل النادي الأهلي، لكن مع أول عقبة في هذا الطريق، عاد إلى عشقه الأول، وهو الغناء. درس في كلية التربية الموسيقية وخلال دراسته تعرف على الموزع الموسيقي طارق مدكور الذي آمن بموهبته وأخذ على عاتقه تدريبه على تسجيل الأغنيات في الاستديو الخاص به، لكي يعده جيدًا لمرحلة تسجيل الألبومات.
ونظرًا لتعثر المفاوضات الإنتاجية بين حماقي وأكثر من شركة إنتاج وهو في بداياته، أقنعه طارق مدكور بالبدء في تسجيل الألبوم الذي يحلم به بالجهود الذاتية، وفعلًا كانت أول أغنية هي "بتبعد ليه" من كلمات وألحان حماقي، وتولى توزيعها بإيقاع إلكتروني طارق مدكور، كما قام أيضًا بالمكسينج والماسترينغ، فقد كان بمثابة المنتج المنفذ والفني للألبوم. كشفت الأغنية عن موهبة حماقي التلحينية التي مارسها على استحياء على مدار مسيرته، ودارت الأغنية حول طمأنة حبيبته التي تعاني من التذبذب تجاهه وتتركه في حيرة من أمره.
أما ثاني أغنية نفذها في الألبوم كانت "مقدرش أنساك"، وهي أغنية رومانسية بامتياز غناها حماقي بمنتهى الإحساس وغلبت عليها الآلات الوترية، كتب كلماتها ربيع السيوفي ولحنها نادر نور. تنوعت كذلك الموضوعات التي تناولها الألبوم، ولكن في إطار العلاقات العاطفية، ولمس العديد من الشباب في ذلك الوقت فلم تكن الحياة ذات طابع سريع كما هي الآن.
وقع اختيار حماقي على أغنية "بتضحك" ليصورها كفيديو كليب مع المخرج محمد شعبان. كتب كلماتها أيمن بهجت قمر ولحنها ووزعها طارق مدكور كما وزع أغاني الألبوم كلها. مثّلت الأغنية طفرة وقتها في كلماتها المليئة بالقوة والقسوة على الحبيبة التي خذلته، بالإضافة إلى السؤال الاستنكاري "بتضحك؟ طيب اضحك"، والتي تحولت لميم لفظي أو دعابة بين الأقران. وللأغنية قصة طريفة، فقد تم صناعتها بطريقة عكسية حيث بدأها طارق مدكور بالتوزيع ووضع اللحن، ليأتي أيمن بهجت قمر ويضع لمساته الأخيرة بالكلمات.
على النقيض تمامًا كانت أغنية "أوعد قلبي" أغنية مليئة بكلمات الحب الرقيقة، بإيقاع غلب عليه الطابع الغربي، وأضفى عليها شعورًا بالطاقة الإيجابية والحماس، كتب كلماتها أحمد علي موسى ولحنها أشرف السرخوجلي.
وبعدما انتهى حماقي وطارق مدكور من حوالي أربع أغنيات من الألبوم، تواصل طارق مع المنتج نصيف قزمان صاحب شركة "صوت الدلتا"، وبعد استماعه للأغنيات قرر أن يتولى إنتاج الألبوم بل وتعاقد مع حماقي على عدة ألبومات تليه.
وضع طارق مدكور بصماته التلحينية على أغنيتين أخريات وهما "ليه لأ" التي وكتبها أيمن بهجت قمر، والأخرى بإيقاع شرقي خفيف مليئة بالعتاب الممزوج بالترجي "ياللي غايب"، وكتبها أمير طعيمة. ورغم اختلاف كتّاب الأغنيتين إلا أنهما تشابها في طرحها لنفس الموضوع وهو محاولة استمالة الحبيبة وعودة علاقتهما سويًا مرة أخرى.
ومن خلال علاقته بطارق مدكور، تعرّف حماقي على مصطفى قمر وكان يشاركه في تسجيل بعض أغانيه. توطدت علاقتهما، وفي فترة تحضيرات حماقي لألبومه، كان مصطفى قمر يستعد لتسجيل بعض الأغنيات. أعجب حماقي بشدة بإحدى ألحانه، وهي أغنية “اديني بدوب” التي كتبها رضا زايد، فأهداها له مصطفى قمر ليضمها إلى ألبومه الأول، إيمانًا منه بموهبته ودليلاً على صداقتهما. وهي أغنية حب بإيقاع المقسوم، تحمل بصمة مصطفى قمر الفنية المميزة. وكانت أغنية "أول ليلة" أيضًا من أغنيات الحب والغرام التي لفتت الأنظار، وقد كتبها أحمد علي موسى ولحنها تامر علي.
أما اغنية "آن الأوان" التي افتتح بها حماقي ألبومه فكان من المفروض أن تذهب لعمرو دياب في البداية، ولكنه سجلها ولم يطرحها بالأسواق. أعجب طارق مدكور بكلمات الأغنية التي كتبها خالد تاج الدين، ولكن طارق كان عنده عدة ملاحظات على اللحن فطلب من ملحنها عمرو مصطفى إعادة تقديمها بشكل مختلف، فيما تولى هو الجزء الخاص بالتوزيع الذي جعل منها هيتًا بكل المقاييس. ضمت الأغنية رسالة مليئة بكلمات الحب والرجاء، هدفها عودة الثنائي إلى بعضهما بدلًا من تضيع الوقت في الفراق، بإيقاع ممزوج بتوازن بين الشرقي والغربي، وبعد صدورها ونجاحها تم تسريب الأغنية بصوت عمرو دياب تحت اسم "روح قلبي".
أما أغنية "خلينا نعيش"، التي حملت اسم الألبوم، فجاءت في ختام هذه الرحلة العاطفية المميزة، وهدفت إلى الاستمتاع بحالة الحب التي يعيشها أي ثنائي بغض النظر عما فات أو ما سيأتي في المستقبل. كتب كلماتها ربيع السيوفي ولحنها عمرو مصطفى.
طغت الموسيقى الإلكترونية على مجمل الألبوم مع بعض اللمحات من الموسيقى الشرقية، ربما بسبب رغبتهم في وضع أولى أعمدة التطوير فيما يقدمونه لمشهد البوب المصري حينها. وبالفعل شهد الألبوم نقلة نوعية في صوت موسيقى البوب، وعمل حماقي طوال مسيرته الفنية على الحفاظ على هذا النهج، وكان دائم السعي لتطوير موسيقاه. اكتسب من هذه التجربة بعض السمات المهمة مثل التأني في تحضيراته للألبوم، وإجادة اختيار كل أغنية، وحتى كيفية ترتيب الأغنيات في الألبوم. وقبل طرحه، تمت إعادة ترتيب الأغنيات بطريقة جديدة، ومن وجهة نظرنا، يعتبر هذا الترتيب هو الأفضل بسبب التناغم والانسجام بين الأغنيات وبعضها البعض.