رغم انتشار مفهوم فرق وألبومات الكوفر في الموسيقى الغربية منذ عقود طويلة، والتي تقدّم استعارات مجدِّدة لأغاني فنانين آخرين دون أغاني أصلية، إلا أنه كان حدثًا نادرًا في الموسيقى العربية الحديثة، خاصة في حقبة السبعينيات والثمانينيات، أن يتصالح الجمهور العربي وجمهور النقاد ومحيط الفنانين والموسيقيين والشعراء مع ألبوم كامل من التوزيعات لأغاني موسيقيين آخرين، خاصة كما حدث في حالة ألبوم "شد الحزام" لفريق الجيتس. كان الألبوم حديث الجميع بعد صدوره في العام 1978، وبحسب مؤسِّس الفرقة سمير حبيب فقد باع الألبوم 5 ملايين نسخة، ومثّل انطلاقة مسيرة الفرقة القصيرة في عالم الموسيقى، ليكون أول وأشهر ألبوم لها.
ما يميز هذه الظواهر الموسيقية دومًا هو بساطتها. حيث لماذا لا تقوم الفرقة المكونة من سمير حبيب وطاهر السيد وسابا جندي وعبادة أحمد وضياء عبد القوي ويمن منيري وسها يوسف، والتي كانت تؤدي موسيقاها في كازينوهات القاهرة، بتسجيل ألبوم موسيقي يقدّم رؤيتها الخاصة للأغاني التي تؤديها عادةً؟ راقت الفكرة التي اقترحها حينها نبيل الهجرسي والممثلة إسعاد يونس لسمير حبيب مؤسِّس الفريق، الذي سرعان ما بدأ يبحث عن منتج للألبوم.
بالبساطة ذاتها صدر الألبوم، مقدّمًا توزيعات معاصرة لأغاني سيد درويش من التراث الشعبي المصري، وأغاني زياد الرحباني وروميو لحود من لبنان، وألحان محمد عبد الوهاب وميشيل بنعلي، إلى جانب أغاني سمير الطويل وناصر المزداوي، ضمن توليفة غير متوقعة. جمع بين كل هذه الألحان المنتقاة التوزيع الموسيقي الذي غلّف أغلب الأغاني بعناصر ثابتة، فاعتمد على تكثيف الإيكو، والإيقاع المتتابع للدرامز، والتشويش في صوت جيتار البايس، والإيقاع الذي تنظمه أوتار الجيتار الكهربائي.
بدا هذا التتابع قريبًا من الفرق السيمفونية، وإن قطعت جدّيته تنويعات الأورج، مع تداخل عشوائي للآلات كما في "دلوني عالعيون السود" لزياد الرحباني، أو تسريع إيقاع الدرامز في مقدمة "الشمس طلعت" من "الحلوة دي" لسيد درويش، أو الدخلة المستمدة من التخت الشرقي الشامي في أغنية "قسم شرقي" لمحمد جمال، أو صولو الجيتار المميز في المزج بين أغنيتي "زي الليلة" و"ياما بكينا" لناصر المزداوي.
ما يمكن اعتباره ابتكارًا موسيقيًا في الألحان والتوزيع كان أغنية "أوكي أوكي"، وهي الأغنية الوحيدة الأصلية للفرقة في الألبوم، والتي اعتمدت على تتابع البايس درامز، مع توظيف الترومبيت ضمن إيقاعات الديسكو، والذي يمزج بسلاسة مع سمبلة واضحة في نهاية الأغنية لحن "Daddy Cool" لـ فرقة بوني إم، والتي كانت قد صدرت حديثًا حينها في العام 1976. الابتكار الثاني البارز جاء في كوفر أغنية "ليندا ليندا" لسمير الطويل بمزجها مع "دقي يا ربابة" لروميو لحود، وهو ما أعطى مساحة لصولوهات ووصلات طويلة من التصفيقات والموسيقى الشعبية الشامية في المنتصف، كما خلق مستويات لأغنية الغزل بليندا لتصبح وكأنها فاصل غنائي مسرحي قصير.
كانت ميزة الألبوم في الحقيقة، والتي أعطته طابعًا صيفيًا، ليس فقط التوزيع الموسيقي بشكل رئيسي، بل أيضًا كونه متعلقًا بروح الأداء الحي، بداية من التسجيل بوجود الصدى الذي يدخل كمؤثرات صوتية بشكل طبيعي، مثل حركة الأقدام وضرباتها على الأرض. حمل الأداء أيضًا طابعًا شبيهًا بالأداء المسرحي، من حيث أسلوب لفظ الكلمات وإدغام الجمل في "شد الحزام"، أو الهتاف الجماعي: "هيلا هيلا هيلا/ هيلا هيلا هيلا"، وتداخُل الكورس مع صوت المغني في "سالمة يا سلامة"، والتي أدتها الفرقة باللغة الفرنسية.
كما لم تخلُ الأغاني من الهتافات العشوائية في منتصف الإيقاعات الهادئة ذات النوتة المنخفضة، وبالطبع صيحة "وصللللت" في بداية أغنية "ليندا ليندا"، واستعارة الأسلوب المسرحي الخاص بزياد الرحباني في أداء أغانيه بعد ذلك كانت أيضًا مميزة، وأعطت حالة شبيهة بحالة المسرح الموسيقي الذي كان يقدّمه ويؤلّفه حينها.
بالخلاصة كان ألبوم "شد الحزام" شريط كوكتيل، أو ميكستايب، بلغة يومنا هذا، استطاع أن يجمع روح السبعينيات في كبسولة زمنية مغلقة، باستعادات من التراث الاشتراكي لتلك الفترة، إلى أغاني الغزل والحب الخفيفة، وحتى المقطوعات الموسيقية الأيقونية لرموز الجيل مثل محمد عبد الوهاب.
لم يكن مستغربًا بعد هذه التجربة أن ينتقل إبداع سمير حبيب مؤسِّس الفرقة إلى مجالات أخرى، فشارك في تطوير صوت فطوطة، الشخصية الشهيرة لبرنامج الفوازير الذي قدّمه الكوميديان سمير غانم منذ العام 1982، كما شارك في العديد من الإعلانات الدعائية التي جعلته من المهمّين في صناعة الإعلانات في تلك الحقبة، لأن هذه النقلات في الصناعات الشعبية المختلفة اعتمدت على التقاط الذوق العام للجمهور، وما يمكن أن يحقق لديه الانبهار والمتعة.