"يا قمر لو في اتنين منك/ هيبقوا اتنين قمرات/ يا قمر لو في ثلاثة منك/ هيبقوا الأهرامات". جاءت هذه الكلمات ضمن أغنية يا قمر، التي أصدرها عمرو دياب ضمن ألبومه الأخير مكانك، والتي تُمثل التعاون الأول بين عمرو دياب وكاتب الكلمات مصطفى حدوتة الذي كان قد بدأ مسيرته في كتابة أغاني المهرجانات، فهل بات مصطفى يتنقل بين الجنرات منوعًا بين أساليبه ومواضيعه وكلماته؟ أم أن عمرو دياب اتخذَّ قرارًا جريئًا ومختلفًا وقرر الذهاب بنفسه إلى كاتب خرج من نوع موسيقي مختلف؟
بالعموم فقد حملت أغاني ألبوم مكانك كلمات جريئة ومختلفة من العديد من الكتاب، مثل ظبط مودها لبهاء الدين محمد وواخدين راحتهم لمحمد القاياتي. لكن أغنية يا قمر على وجه الخصوص أثارت الفضول مع شخصية كاتبها مصطفى حدوتة، وقرار عمرو دياب أن يتعاون مع ذات الشاعر الغنائي الذي تعاون معه حمو بيكا وحسن شاكوش وأحمد موزة وعمر الكروان وحودة بندق وعبده مزيكا.
اكتسب مصطفى حدوتة شهرته في البداية بكتابة كلمات أغاني المهرجانات، ولفت الأنظار إلى موهبته الفريدة لأن مُعظم الأغاني التي كتبها تحولّت إلى هيتات، وتعدّت شهرتها مصر لتنتشر في باقي بلاد العالم العربي. خير مثال على ذلك أغنية بنت الجيران لحسن شاكوش وعمر كمال، التي أثارت حربًا نقابية واستحوذت على قلوب المُستمعين في مصر وخارجها. لم تكن أغنية بنت الجيران الاستثناء، فالعديد من الأغاني التي كتبها مصطفى حدوتة تعلّق بها الجمهور، وكان لها دورها بتوسيع دائرة جمهور المهرجانات، مثل عود البطل عالي وبسكوتاية مقرمشة وأحلى وحدة.
ما نلاحظه في كلمات المهرجانات التي كتبها مصطفى حدوتة أنها لا تنجرّ وراء التعابير الذكورية السائدة في أغاني المهرجانات، ولا تحتوي على شتائم، ولا تهاجم أحدًا بشكل مباشر، ولا تُركز على ثيمة غدر الصحاب أو على القيم السائدة في الأوساط الشعبية. جاءت كلماته ضمن الموجة الجديدة من أغاني المهرجانات والتي ظهرت نهاية العقد الماضي في قالب مُهادن يُقرّب أغاني المهرجانات خطوة من أغاني البوب مصري السائدة، من خلال الانحياز للمواضيع الغزلية، والتعابير ذات الروح الكوميدية، بما يتناسب مع العنصر الراقص للمهرجانات الذي يغلف هذه التراكيب الغزلية المرحة بالمزيد من الجاذبية.
لم يمر وقت طويل حتى وجدنا اسم مصطفى حدوتة يقترن بتجارب مُثيرة في البوب المصري، بأغانٍ احتوت تأثيرات المهرجانات والموسيقى الشعبية، مثل وسع وسع لأحمد سعد، التي تحجز مكانًا ثابتًا في قائمة بيلبورد هوت 100 أسبوعًا تلو الآخر. لعبت الأغنية دورها في عودة نشاط أحمد سعد الفني ورفعه إلى مصافي نجوم الصف الأول في الأغنية المصرية. من بعدها أصبحت كلمات مصطفى حدوتة كلمة السر لنجاح المشاريع الفنية الجديدة، فهو الذي كتب أغنية مسيطرة التي صنعت اسم لميس كان، وهو الذي كتب مخاصماك وتسببت كلماته بنجاح نوال عبد الشافي، دون إنكار دور الملحن كولبيكس بوي في صناعو هاتين الأغنيتين تحديدًا. لكن عدد تعاونات نجوم البوب مع مصطفى حدوتة بقيت محدودة رغم نجاح الأغاني التي كتبها، فاقتصرت تعاوناته على تقديم بعض الأغاني لمحمد نور وحمادة هلال وبعض أغاني الأفلام التي قدّمها أبرز النجوم مثل أحمد حلمي ومحمد رمضان، بالإضافة للأغاني التي استكمل فيها تعاونه مع النجوم الجدد الذين كان له دور بشهرتهم مثل نوال ولميس كان، التي حققت أعلى ذروة نجاح في أول أغنيتين لها، مسيطرة ومتمكنة، اللتان كتبهما مصطفى حدوتة.
يبدو أن عمرو دياب قرأ المشهد جيدًا، ليبدأ بأغنية يا قمر شراكة مع واحد من أنجح كتّاب الأغاني في الجيل الجديد، فهو ثاني أكثر شاعر غنائي كتب هيتات ظهرت على قوائم بيلبورد بعد منى عدلي القيعي. ولكن تجربة عمرو دياب مختلفة نوعيًا، ففيها تتحرر كلمات مصطفى حدوتة أخيرًا من تأثير المهرجانات والموسيقى الشعبية، ونسمعها ضمن قالب موسيقي مختلف كليًا، لترافق كلماته لحن اشتغله عمرو دياب بنفسه، يُبرز جمالية شعر مصطفى حدوتة الغزلي، الذي يعتمد على مصطلحات مستقاة من الشارع المصري.