في ليلة 11 ديسمبر/ كانون الأول، وعلى مسرح مركز الملك فهد الثقافي، صعد النجم عبدالمجيد عبدالله ليكرّم بجائزة الإنجاز مدى الحياة ضمن حفل توزيع جوائز بيلبورد عربية للموسيقى، وسلّمه إياها على المسرح سالم الهندي، الرئيس التنفيذي لشركة روتانا. في خطابه على المسرح، عبّر عبدالمجيد عن سعادته بكونها جائزة عن مجمل إنجازات مسيرته وليس فقط عن أغنية أو ألبوم، الأمر الذي عدّه تشريفًا إضافيًا. كما تحدّث عن معنى توقيت هذه الجائزة التي يتزامن مع صعود المملكة العربية السعودية على خطى رؤية السعودية 2030.
بدا عبدالمجيد في إشارته إلى هذه النقطة، وكأنه يعتبر مسيرته جسرًا يصل بين أجيال مختلفة شاهدة على رحلة الموسيقى السعودية بين الأمس والغد الواعد بالمزيد من الإبداع، وأن الموسيقيين الذي وضعوا أساسات الأغنية الخليجية الحديثة، مستمرون بالتأثير والحضور بقوة، وهو بالطبع الأعلم بذلك مع استمرار نجاحاته منذ انطلاقته في نهاية السبعينيات وحتى اليوم.
مشقة البدايات في مسيرة عبدالمجيد عبدالله
يعتبر عبد المجيد عبدالله من فناني السعودية المعروفين بغزارة إنتاجهم، إذ يملك في رصيده 64 ألبومًا وعددًا كبيرًا من الأغاني المنفردة. لكن مسيرته الفنيّة لم تكن معبدة بالورود خاصةً وأن عائلته قابلت حلمه بدايةً بالرفض، رغم اكتشاف موهبته في سن صغيرة حيث اكتشفه أستاذه في المرحلة التعليمية الأولى وأوصله إلى غذاعة جدة حيث قدم بصوته أغانٍ طربية لنجوم العالم العربية. إلا أنه واجه بعض العثرات في بدايته، ما أدى إلى تأخير انطلاقته الفعلية لعدة سنوات.
يعود ذلك إلى العام 1979 عندما سجل أول أربع أغاني، تعاون فيها مع الملحن سامي إحسان في القاهرة، لكنها طُرحت في شريط تحت إمضاء طلال مدّاح عن طريق الخطأ. أدى هذا الغلط إلى تأجيل انطلاقته حتى سنة 1984، عندما عاد إلى القاهرة مرة أخرى وسجّل ألبومه الرسمي الأول "سيد أهلي"، بالتعاون مع سامي إحسان الداعم الأول لمشروع عبدالمجيد، ومن أكبر المساهمين في أغانيه بالأعوام الأولى. قوبلت التجربة الأولى بحفاوة كبيرة في مشهد الأغنية السعودية التي كانت تعيش حقبةً ذهبية حينها، وبدأت رقعة تجارب عبدالمجيد تتسع.
بدأ الفصل الثاني من الحكاية عام 1989، عندما تعاون للمرة الأولى مع خالد الشيخ في "ارجع بالسلامة". افتتحت هذه الأغنية سلسلة تعاونات بينهما انتشرت على نطاق واسع، ووضعت حجر الأساس للصوت العاطفي الطربي الذي استمر مع عبدالمجيد. أسفر عن هذه الشراكة أغنيات مثل "طائر الأشجان" و"ساكن القلب" و"آن الأوان". كان للأخيرة دورٌ بتجاوز عبدالمجيد عبدالله حدود الشهرة المحلية، وانتقال صوته إلى جمهور أكبر في باقي بلدان الخليجية.
عبدالمجيد عبدالله نجم على الساحة العربية
دخل عبدالمجيد عبدالله بمرحلة جديدة في منتصف التسعينيات، مع شركاء جدد أبرزهم المُلحن صلاح الشهري، الذي قدّم له مجموعة ألحان قوية تحولت إلى هيتات، ووسّعت نطاق شعبيته إلى كل الوطن العربي مثل "رهيب" و"دندنة" و"حيل الله". كما أصدر في هذه الفترة أغنيته الأيقونية "يا طيب القلب"، التي كتبها سالم الخالدي ولحّنها ممدوح سيف، ولا يزال صداها يتردد حتى اليوم.
مع هذه الأغاني، والانتشار العربي الكبير التي حقّقتها، أصبح عبدالمجيد عبدالله نجمًا عربيًا بامتياز، تجاوزت شهرته وشعبيته حدود السعودية والخليج العربي، بل وكان بوابة شريحة واسعة من الجمهور إلى الأغنية الخليجية. حدث ذلك عبر الأسلوب السهل الممتنع الذي قدّمه في أغانيه وتوزيعاتها، وقد حملت لغة موسيقية جامعة تأثرت بالموسيقى العربية الكلاسيكية والألوان الطربية، مع تركيزها على الوتريات التي ناسبة الخفة والرومانسية في صوته.
بدأت المرحلة الرابعة من مسيرة عبدالمجيد عبدالله مع ألبوم "ليالينا" سنة 2003. عمل في هذا الألبوم بأسلوب مختلف بعد أن فكّ شراكاته الطويلة، واعتمد على أسماء من الجيل الموسيقي الجديد. تعامل مع الثنائي طارق محمد والشاعر تركي، كما جمعت ألبوماته اللاحقة مجموعة من المواهب التي أثبتت نفسها في صناعة الأغنية الخليجية. كما شهدناه في تجارب مجدّدة، مثل أدائه باللهجة اللبنانية لأغنية "سمعني غنية" من ألحان مروان خوري، ليكون من أوائل الفنانين السعوديين الذين يقبلون على خطوة مماثلة.
عبدالمجيد عبدالله يسجل نجاحات مستمرة على قوائم بيلبورد عربية
ابتعد عبد المجيد عبد الله عن الفن لخمسة أعوام بين 2016 و2021 بسبب مشكلة في الأذن الوسطى. أصدر بعدها ألبوم "عالم موازي"، وكتب به السطر الأخير من الفصل الرابع. انتقل بعدها إلى المرحلة الخامسة، التي قرر فيها مواكبة شكل الإنتاج الموسيقي العصري، الذي لم يعد شكل الألبومات الطويلة سائدًا فيه، فأصدر ألبوم قصير بعنوان "هلا بدفى روحي" وعدد من الأغاني المنفردة.
تعززت كل هذه النجاحات اللاحقة لعبدالمجيد مع حضوره الكثيف في الحفلات الحية خلال العامين الماضيين، والتي كانت شاهدًا على جماهيريته الواسعة، حيث رصدنا أكثر من مرة إعلان منظمي الحفلات عن تمديد حفلاته لليالٍ ثانية وثالثة مع الإقبال الواسع للجمهور ونفاذ البطاقات خلال ساعات في كل مرة. وفي كل مرة يحظى جمهوره بتجربة حية لا تنسى، حيث يؤدي على المسرح توزيعات جديدة ومبتكرة لألحانه المألوفة، ويقدّم أنماطًا إيقاعية تقليدية بطرف عصرية، تضفي مزيدًا من الحيوية على الروح العامة للحفل.
أما مع الوصول إلى سبتمبر/ أيلول العام الحالي 2024، فأصدر عبدالمجيد عبدالله أحدث ألبوماته القصيرة "عبدالمجيد عبدالله 2024" الذي ضمَّ ست أغاني جديدة جميعها من ألحان تركي الذي كتب كذلك معظم أغاني الألبوم. وخلال أسبوعين من صدور الألبوم، دخلت العديد من أغانيه قائمة هوت 100، كما أصبح عبدالمجيد الفنان الأكثر حضورًا على قائمة بيلبورد عربية أعلى 50 أغنية خليجي مع 14 أغنية انتشرت على مراتب القائمة الخمسين، محققًا رقمًا قياسيًا لم يحققه أي فنان آخر على القوائم المختلفة. انقسمت هذه الأغاني بين إصدارات حديثة أخرى أقدم نسبيًا مازال الجمهور يستمع إليها بشكل أسبوعي مثل "من مثلك" و"إنسان أكثر".
مع هذه النجاحات التي سجّلها خلال العام 2024، استطاع عبدالمجيد عبدالله أن يحصد جائزتي الفنان الأول عن فئة الأغنية الخليجية، وأفضل فنان عن فئة الأغنية الخليجية، إلى جانب جائزة التأثير مدى الحياة التي كرم بها على المسرح. سمح ذلك بظهوره بعد أيام من هذا الفوز، على الغلاف العالمي الخاص الذي أعدّه موقع Billboard لختام العالم 2024، والذي استضاف الوجوه المتصدرة من المشاهد الموسيقية حول العالم، ليكون غلافًا لا ينسى، هو خلاصة عن المشوار الطويل والإصرار والرؤية بعيدة الأمد لأمير الطرب السعودي.