صدر فجأة ليلة أمس (18 أبريل)، ودون سابق إعلان أو تشويق، تراك جديد لويجز بعنوان "الوعد"، لتنهال مباشرة التعليقات على مختلف المنصات، معلنةً أن ويجز 2019 قد عاد!
تفاعل الجمهور سلط الضوء على حنينهم وحماستهم الكبيرة للصوت الذي تبناه في إصداراته في تلك الحقبة، وقد كان واضحًا منذ الثواني الأولى من تراك "الوعد" أنه يعيد ويجز إلى منطقته الأقوى: التراب الشعبي. يعود إليه لا كمن يتراجع عن مغامراته التجريبية في تراكات أخرى، بل كمن يعيد التشديد على جذوره بأسلوب محدث وقلم مسنون ولسان أشد حدّة من أي وقت مضى.
التراب الشعبي بحلّة 2025
في عودته إلى التراب الشعبي، يستعين ويجز بإنتاج محكم من راشد. يقدم بيت مشغول بحرفية، من السنثات المستوحاة من الكيبورد الذي ميّز صوت المهرجانات، إلى الضربات الإيقاعية القريبة من إيقاع المقسوم، كلها تلتقي هنا في توليفة تضع ويجز مجددًا في قلب ما يحبّه جمهوره.
ليس غريبًا على ويجز أن ينجح في هذه الخلطة، فهو من أوائل الرابرز الذين اشتغلوا على تطوير التراب الشعبي منذ 2018، متعاونًا مع منتجين مثل مولوتوف وتوتي، وتجرأ على تجريبه قبل أن يصبح هذا التوجه سائدًا. غير أن ما يميّز "الوعد" هو نضج التجربة: كأنّ ويجز يعود اليوم بخبرة السنوات الماضية، واضعًا كل ما تعلمه في قالب واحد، صلب ومتين، مع إيقاع وتدفق يخاطبان الجسد والعقل في آن. ليأتي هذا التراك كامتداد طبيعي لسلسلة تطور هذا الصوت من "على راحتي" في 2019، إلى "دورك جاي" في 2020 و"عفاريت الأسفلت" في 2021.
سكاكين لسانه: القوافي والبلاغة والسلانغ
اعتمد ويجز أيضًا على أسلوبه الغنائي، وقدم أداء يعتمد على طبقة أوتوتيون مدروسة، تتأرجح بين الغناء الشرقي وبين فلو الراب بخفة وسلاسة. لكن بعيدًا عن استحضار صوت ويجز المألوف، فإن ما منح هذا التراك ثقله الحقيقي هو البارات نفسها.
هنا، يعود ويجز إلى ملعبه الأصلي مع تعابير الشارع الذكية، والتلاعب بالألفاظ بمرونة بارعة، والقوافي غير متوقعة التي تكسر الإيقاع التقليدي دون أن تفقده اتزانه مثل بار "تاخد روحها إلى طارقها / ذوَّق لي جيوشي ببنادقها". بالإضافة إلى استخدامه المدروس للأمثال الشعبية المصرية في بارات مثل "وإللي ما اشتراش يتفرَّج".
من البار الأول، الذي يعد فيه ويجز بأنه "سن لسانه"، في إشارة إلى عبارته الشهيرة "لساني سكين" من تراك "21"، ندخل مباشرة إلى أجواء دسّات ثقيلة. يسدد ويجز سهامه نحو أسماء كبيرة وصغيرة في السين، بل وحتى إلى بعض من قاعدة معجبيه. عند تحليل البارات، يبدو أن بار "أما شروطنا تستوفى / تسمع حسّي تستموِت / عالـ Repeat فـ تتوفى"، قد يكون نكشًا واضحًا لمروان بابلو، ردًا على عبارته الشهيرة في "فري": "شغال تراكي عالـ Repeat". كما أن الأخير رد فور صدور التراك بستوري كتب فيها جملة "يلا بينا".
ولا يتوقف الأمر هنا، فعبارته "شلتكوا طفش مش بتشد" قد تُقرأ كرد على أبيوسف وشلته المعروفة بلقب "المكسيك"، خاصة بعد باره السابق في "يقدّم باردًا" الصادر قبل أيام الذي انتقد فيه صدارة ويجز. مع ذلك، تظل هذه التحليلات في إطار القراءة المشهدية وربط البارات بالسياق العام، وهو جزء من لعبة الراب التي يحسن ويجز إدارتها بدهاء. ومن بعد هذه المناوشات بدأ الجمهور بتوقع إندلاع البيف القادمة بمشاركة هذه الأسماء.
تجربة موسيقية متعددة الألوان
منذ بداياته، أثبت ويجز أنه ليس مجرد صوت عابر في مشهد الهيب هوب المصري، بل حالة فنية تتحرك بثقة عبر الأشكال الموسيقية المختلفة، من الدريل إلى التراب والأفروبيتس، مغامرًا بتوسيع حدود ذائقة جمهوره. هذه الروح المغامِرة تجلّت بقوة قبل حوالي شهرين حين أطلق ويجز ألبوم "جدول ضرب"، محاولًا تقديم الجنرا الجديدة "الرايج راب" للمستمع المصري. جنرا تعرف بطاقتها الهجومية وصوتها الفوضوي المستمد من موسيقى البانك، تتميز بإيقاعات 808 المشوّهة، وتقديم العاطفة الخام على حساب التعقيد الغنائي.
لكن الألبوم لم يجد طريقه إلى القلوب، وربما بدا بعيدًا جدًا عن المزاج العام للجمهور في المنطقة. في "الوعد"، لا يقدم ويجز اعتذارًا صريحًا، لكنه يمرر رسائل واضحة، كما في بار "نسيوا خيري ونكروا بطولتي" وكأنه يقول: لم أنسَ كيف أكتب بارًا يضرب، ولا كيف أنحت صوتًا يشبهكم.
لم تحتج "الوعد" إلى فيديو كليب صاخب لدعمها. بدلًا من ذلك، ظهرت مرفقة بصورة فنية لوجه ويجز باللونين الأبيض والأسود، كأنه يطل من خلف سحابة رمادية كثيفة. في غموض بصري يشير إلى أنها عودة حادة ولكن محسوبة، لا تحتاج إلى استعراض بقدر ما تحتاج إلى موقف. تبدو ملامحه بالكاد مرئية، وكأنه بعد كل ما اختبره في رحلته، يختار أن يتكلم من وراء حجاب، يراقب الساحة بثقة، ويضرب في اللحظة المناسبة.