انطلق جورج الوسوف للغناء في النوادي والمسارح خلال حقبة الثمانينيات، واشتهر باستعاداته المتمكنة لأغاني أم كلثوم تحديدًا، ونصّب نفسه الوريث الشرعي للطرب ببحة صوته المليئة بالعُرب. شكّلت التسعينيات حقبة جديدة بلورت صوته وأسلوبه الخاصين، وحملت نقلة نوعية في مسيرته، ليقف صوته بين الأغنية الطربية القديمة والبوب التسعينياتي الحديث، وهذا بالضبط ما كانت الأغنية الشرقية بحاجة إليه: صوت ينقلها بخفة من مرحلة إلى أخرى.
أرضى الوسوف جميع الأذواق من جمهور السلطنة والتطريب، إلى جمهور الإيقاع السريع ونغمات السنث الإلكترونية. استعان بجيل الملحنين الذي تبع بليغ حمدي ورياض السنباطي ، فتعاون في ألبومات مثل أوعديني سنة 1992 وشي غريب في 1993 مع شاكر الموجي الآتي من مدرسة محمد الموجي اللحنية، وتعامل في كلام الناس 1994 للمرة الأولى مع الملحن صلاح الشرنوبي المتأثر بمدرسة بليغ.
في البداية، لم يحب الوسوف أغنية كلام الناس عندما وصلته إلى بيروت قادمة من مصر، لأن الشرنوبي لحنها على مقام الكرد وهو من المقامات التي لا تحتوي ربع تون، عكس باقي المقامات الشرقية التي أحبها مثل البياتي والرست. أعادتنا الجمل اللحنية إلى أسلوب بليغ حمدي في السؤال بصوت الكيبورد والجواب بصوت الساكسفون، حيث وزعها طارق عاكف محافظًا على روح العصرنة بإيقاع سريع والقالب الطربي بصوت الآلات.
أدخلنا الشاعر أحمد شتا من الكوبليه الأول بكلمات قد لا تليق إلا بشخصية الوسوف وصوته الواثق: "كلام الناس لا بيقدم ولا يأخر". كسّرت هذه الأغنية الدنيا عكس توقعات جورج، وكأن الجميع كان بانتظار هذه الفلسفة الوجودية لتقال بصوت طربي مع بحة ثقيلة. صوّرت مشاهد الفيديو كليب على شواطئ بيروت، وشاركت سيرين عبدالنور معه كممثلة، لتكون أولى فيديو كليباته.
حضر الرقص الشرقي في حفلات الوسوف وكليباته في تلك المرحلة، فبعد إطلاق الألبوم خلال حفلة الكورال بيتش شاركت كل من الراقصة المصرية دنيا في كلام الناس، ورانيا فريد شوقي في الحب الأولاني. عاد صلاح الشرنوبي في أغنية الحب الأولاني إلى مقام البياتي بينما وزعها طارق عاكف على إيقاع سريع، مما أعطى الوسوف مساحة ليغني عن رموش الأسمراني بفرح وشجن في الوقت نفسه. كما تابع أحمد شتا في الأغنية سردية العشق لتعيدنا هذه الأغنية إلى أسلوب عبد الحليم حافظ في جانا الهوى.
الجدير بالذكر أن معظم أغاني الألبوم تعدت السبع الدقائق، مما يعتبر مدة طويلة، حيث حرص على وجود عناصر الأغنية الطربية، من الإنترو إلى الكوبليه والمذهب والكورس. دخلت يا بياعين الهوى على مقدمة موسيقية قصيرة، تابع فيها الشرنوبي تعاونه مع أحمد شتا، وحملت مقام البياتي وعناصر الطرب مجتمعة. كما لحن الشرنوبي الأغنية الرابعة والأخيرة حبيبي كده من كلمات وليد رزيقة، والتي اعتمدت أيضًا على دخلة كيبورد أثيري صاغ اللحن بدقة عالية.
أعاد الوسوف تدوير حقبة السلطنة الطربية في مصر، وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية خلف تلقيبه بـ سلطان الطرب. إذ يصنف صوت الوسوف حسب تقنيات الغناء بصوت الصدر، وهو الصوت الطبيعي الذي يتكلم به، استخدمته أم كلثوم واعتمدت عليه في السلطنة والتطريب، وقد تعلّمه لأنه يناسب صوته ويساعده على الوصول إلى جوابات عالية، كما يخفف من الضغط على حباله الصوتية. تظهر مزايا هذا الصوت في لو يواعدني الهوى التي شكّلت التعاون الوحيد في الألبوم بين الوسوف وشاكر الموجي، ومن كلمات عزت الجندي. فعلى الرغم من أن الأغنية لم تحقق الشهرة ذاتها التي حقّقتها باقي أغاني الألبوم، إلا أنّها احتفظت بمكانتها الخاصة عن سميعة الوسوف الثقيلين، وقد تكون شاهدة على نقلة صوت الوسوف من عمر العشرينات إلى مرحلة النضج الصوتي، بعد أن اختفى صوت المراهق الذي رافقه في الثمانينيات، وتوضح صوت الصدر أكثر ليخرج بغرور وزهو دون أي تعب. كما تعاون مع عصام جاد في أغنية واحدة حارمنا من أنسك، والتي حملت صوت الكورال النسائي المميز إلى جانب طبقة الوسوف المليئة بالشحن، بينما وزعها يحيى الموجي.
يقف ألبوم كلام الناس في مرحلة مهمة من حياة الوسوف الفنية، كانت هويته خلالها في أوج تشكيلها. ظهرت على صوته الخبرة وجمالية التلوين قبل أن تبدأ عوامل الصحة والزمن بالتأثير عليه عند بداية الألفية. بقي هذا الألبوم شاهدًا على النقلة النوعية التي أحدثها الوسوف في الأغنية الشرقية، وكيف طوّع تأثره بالأغنية المصرية الطربية، بحيث يطبع فيها بصمته الخاصة.