في الأعوام الماضية بدا أن النجم عمرو دياب قد اختار لنفسه معادلة آمنة لاستمرار مسيرته الحافلة التي تمتد لأربعين عامًا، بحضور مكثف طوال العام، مع أغنيات منفردة راقصة تميل للمقسوم بإيقاعات أكثر قوة وكلمات أقل تكلفًا. عزز هذا التوجه وجوده ومكانته في مشهد موسيقي عالي التنافسية، يشهد الكثير من الأسماء الجديدة في الراب والمهرجانات والبوب، أما اليوم فيوحي الإصدار الجديد أن الهضبة يوشك على تغيير ذلك.
أطلق عمرو دياب تراكين في أسبوع، يا ليل مع ابنه عبد الله، ثم والله أبدًا، لكن المثير للدهشة ليس انطلاق عمرو صوب التراكات عوضًا عن الأغاني، بل تجاوز مدة كل تراك حاجز السبع دقائق. تشبه أغنية يا ليل سفرًا لحظيًا عبر الزمن، فلا يبدأ عمرو بالغناء قبل الدقيقة الخامسة، مع لمحات توزيعية شرقية بين موسيقى إلكترونية راقصة بجملة كمانات ودفوف تخطفنا في نوستالجيا لكلاسيكيات الألفينات والثمانينيات. يغني عمرو "يا ليلة عودي تاني ويا فرح اجمعنا"، وكأنه يحاول استعادة ذلك العمر الذي مضى بينما يغني عبد الله بالإنجليزية: "أنا أفقد عقلي وأضيع في عينيكِ".
أما والله أبدًا، فتحمل توقيع عزيز الشافعي في الكلمات والألحان، وتوزيع عادل حقي. تتجلى في الأغنية مفاجأةُ تحررِ عمرو من البناء التقليدي المتمثل في الكوبليهات والسينيو، فتأتي مؤلفةً من ثلاثة مقاطع يفصلها توزيع يورو تكنو ألفيناتي مكثف تغلفه نغمات بيانو حائرة. يفاجئنا عمرو في البداية ويدخل ليغني اقتباسًا شعريًا أندلسيًا للشاعر ابن زيدون: "واللهِ ما طَلَبَت أهواؤنا بَدَلًا. مِنكُم وَما اِنصَرَفَت عنكُم أمانينا/ أضحى التَنائي بَديلًا مِن تَدانينا ونابَ عن طيبِ لُقيانا تَجافينا" بلحنٍ يعكس حيرة الانتظار ولوعته. يتركنا بعد ذلك مع توزيع عادل حقي الذي يكثف حالة الترقب موازيًا للحالة الصوفية بالأبيات، قبل أن نعود للعامية في المقطع الثاني بكلمات عزيز "نسينا المُر ما نسيناش الحلو منكم، مين أحلى منكم؟" بأداءٍ يحمل قدرًا من التسامي والنعومة. ينتهي المقطع بعبارة "والله أبدًا" لننتقل نحو المقطع الأخير، حيث يجدد عمرو عهد الانتظار أملًا في اللقاء "يستغربونا إزاي البُعد ما قسّانا/ نقول حبايبنا حبايبنا/ بتوع زمان ولا الزمان يفرق معانا" لتبدأ وصلة كمان ارتجالية محملة بالشجن ترسم قسوة ذلك الانتظار المستسلم تحت وطأة الوقت.
يعيد لنا عمرو دياب دهشة لم نعرفها منذ ألبومات علم قلبي وأكتر واحد بيحبك، في تجربة تعكس رغبة حقيقية في التجريب بعيدًا عن تلك المعادلة الآمنة التي لازمها عمرو طوال العقد الماضي، ويتركنا متطلعين لتجارب أخرى تحمل هذه الجرأة والروح الحيوية.