كانت فريزي قد شدت أنظارنا إليها خلال العام الماضي، وأدرجنا اسمها ضمن قائمة اختيارات الفريق لمواهب هيب هوب نسائية نسائية لمعت في 2024. عادت هذا العام في أغنيتها الأحدث "NMV"، لتكشف عن مرحلة جديدة وتجريبية لصوتها، حيث انتقلت هذه المرّة إلى إيقاعات الموسيقى الإلكترونية، لتعلن في الكلمات أن غنائها يأتي للتعبير عن حياتها. وقد وجدنا أن رحلتها ولو كانت في بدايتها تستحق الوقوف عندها، لرصد الطريقة التي تطور بها صوتها وتأثيره المسموع في المشهد المغربي.
البدايات: بين التعاونات وتكوين صوتها الخاص
بدأت رحلة فريزي، أو صفاء الجابري، من شوارع الرباط حيث كان الراب بالنسبة لها أكثر من مجرد موسيقى. كان وسيلة للبقاء وطريقة لانتزاع مكان في عالم حاول إسكاتها مرات عديدة كما تقول في أغانيها.
كانت بداياتها مليئة بأداء الفريستايل، مستعرضةً مهاراتها بالكتابة ورصّ القوافي، فكانت هذه المقاطع التي تشاركها على انستغرام وسيلتها لنحت هويتها في عالم لم يعترف بموهبتها بعد. لتدور كلماتها حول التمرد والتعبير عن الذات والرفض القاطع للانصياع، حتى بدأت بصنع اسمًا بارزًا لنفسها في ساحة الهيب هوب المغربي.
في عام 2021، أطلت فريزي على الساحة من خلال سلسلة من التعاونات، دفعت باسمها بسرعة إلى الواجهة. فقد أظهرت قدرتها على التنقل بسلاسة بين الإيقاعات. لكن البداية الحقيقية لتكوين صوتها الخاص جاءت مع إصدار أول عمل منفرد لها "ماشي نية"، الذي حمل تأثيرات واضحة من موسيقى الأفروبيتس، ليؤكد استعدادها لكسر القوالب الموسيقية وكسر التوقعات.
ومع ذلك، فإن التراك الذي يمكن اعتباره الافتتاحية الحقيقية لعالم فريزي كان "Frizzy Bipolaire". فتحت فيه أبواب عالمها الداخلي، كاشفة عن صراعاتها بدون أقنعة. وفي عالم الفن الذي يفرض على النساء الظهور بصورة مثالية، تجرأت فريزي أن تظهر بتناقضاتها، مقدّمة حضورًا حقيقيًا في مشاهد الكليب من إخراج أنس بنيس.
2023: سنة التحولات
في عام 2023، شهدت فريزي نقلة نوعية في مسيرتها، حيث انتقلت إلى أغاني أكثر احترافية دون أن تفقد شراستها أو صدقها. أصدرت عدة أغاني فردية أصبحت محطات محورية في مشوارها، متنقلة بين تأثيرات الأولدسكول والتراب، حيث تعاونت مع عدد من المنتجين البارزين في الساحة.
في أغانٍ مثل "سام" تنفتح في الحديث عن الخوف والأحلام والاعترافات، فوق إيقاعات قاتمة ومكثفة من إنتاج ستريز، كما تحمل استعادة من أغنية "بحلم معاك" لنجاة الصغيرة. وقد صوّرت مشاهد بين بيروت والرباط، لتحكي عن تشابه المدن والأقدار في الحياة. أخذت المشاهد عند زيارتها لبيروت للمشاركة في مهرجان "بيروت أند بيوند" 2023، مع مجموعة من الأصوات النسوية الصاعدة في المنطقة مثل بيري ونايومي وغيرهن الكثير.
في تراك "كينجا"، تتمايل البارات بين ثقة حادة وكآبة خفية، مذكّرة أن البقاء في الشوارع لا يجعل الحياة أسهل بل يزيدها حدة. أما في "لو كوست"، فتقلب الطاولة حاملة مرآة لعالم مهووس بالعلامات التجارية والتصديق السهل، وتقول تصريح حاد مثل "دمي إفريقي/ نقولها وتيقي" فوق إيقاع من إنتاج دراكونيك.
ندوب ملونة: هويتها البصرية
في كليباتها، عالم فريزي ليس مصقولًا، لكنه حيّ ونابض وحقيقي. نرى الجدران المتشققة، الأحذية الرياضية البالية، والنظرات الفخورة لفتيات يحلمن بأكثر مما يسمح به محيطهن. تستمد فريزي أسلوبها البصري من موضة الشوارع ومن الفخر بالهوية: الضفائر المشدودة، الأقراط الذهبية الكبيرة، والسترات الملوّنة التي ترتديها كأنها درع يحميها، وتخفي بها ندوبها دون تلميع مصطنع أو تمرد مفتعل.
يحضر الشارع بقوة في أغلب كليباتها، في "البوبليك ديالي"، نراها وسط شلتها أو واقفة بمفردها بين مجموعة رجال، وهي تمسك سيفًا تدفعه نحو الكاميرا، بتعاون إخراجي مع سكيبلاين. وفي "بلاكا"، تواصل الغوص في نفس الأجواء الشوارعية، لكن هذه المرة مع إيقاعات الفونك البرازيلي من إنتاج إي زد سفيان.
مع كل إصدار جديد، تثبت فريزي أن مكانها لم يُمنح لها بل انتزعته انتزاعًا، بقوة الكلمات القاسية وأدائها الرقيق والقوي في وقت واحد. تواصل رسم مسارها الخاص بين الشوارع الضيقة والأحلام الواسعة، بعيدًا عن القوالب الجاهزة والتوقعات السهلة. لا تحصر نفسها بجنرا محددة، بل تفتح أمامنا باب التوقعات على ما ستقدمه في الفترات القادمة، وإن كانت ستخرج من مشهد المغرب ويصل صوتها أبعد من ما تريد.