"نحنا عم نحكي مش عن حالة خاصة.. أنا صرت الحالة العامة بالموسيقى. يعني أنا مش جزء معين ما من الذوق العام.. إلى حد ما أنا الذوق العام!" بهذه الكلمات جاء رد الشامي خلال مقابلته الأخيرة مع بيلبورد عربية على جدل يعلو ويخفت بين حين وآخر حول أسلوبه في كتابة وأداء أغانيه. كلمات قد يراها البعض تحمل تكبرًا من الفنان الشاب، لكنها، بالنظر إلى البيانات وأرقام الاستماع، تحمل قدرًا كبيرًا من الحقيقة.
لربما كان السؤال الأكثر طرحًا في المشهد الموسيقي العربي وبين جمهوره في العام 2024، هو "شو قصة الشامي؟ كيف تفجرت شعبيته؟ وكيف لشاب عمره 22 عامًا أن يثير هذه الضجة بلا مقدمات؟"
يا ليل ويالعين
بدأ كل ذلك رسميًا مع فوزه في يناير 2024 بجائزة جوي آووردز، التي تتبع تصويت الجمهور، عن فئة أفضل أغنية مع "يا ليل ويالعين". تسلم الشامي الجائزة على الشاشات، وسمع الجمهور حديثه للمرة الأولى في خطاب مؤثر، وانتشر فيديو من الكواليس لنجوى كرم وهي تثني على خطابه. بعدها بأيام، كانت مقابلته الإعلامية الأولى على الإطلاق مع بيلبورد عربية، حيث تحدث بتواضع عن تجهيز نفسه للظهور على المسرح في حفلات حية، ثم تحدث بثقة أكبر عن موسيقى جيله وعلاقته الخاصة والمباشرة بجمهوره الذي يفهمه.
بعدها، تسارعت خطاه. حضر بقوة على قوائم بيلبورد عربية كل أسبوع. أصبح أصغر فنان يتصدر قائمة هوت 100 بأغنية "وين". قدم أول ظهور له على المسرح، في بيروت. ثم أحيا حفلات متتالية على مسارح عربية مختلفة. غنّى في حفل مشترك مع سلطان الطرب جورج وسوف في دبي. ثم انطلق جولة أوروبية-أمريكية اختتم بها عام 2024. حصد أربع جوائز من بيلبورد عربية عن أربع فئات مختلفة (الأكثر تتويجًا إلى جانب شيرين عبد الوهاب). ثم انتشرت أخبار عن تسجيل قناته على يوتيوب لمليار مشاهدة في عام واحد!
انتقادات متكررة وردود متكررة
كل ما سبق من إنجازات، بات إجابة جاهزة "على راس لسان" الشامي مؤخرًا، كلما سمع انتقادًا لموسيقاه. أكثر انتقاد يستفزه على وجه الخصوص هو أن كلمات أغانيه غير مفهومة، ربما بسبب معانيها الغامضة، أو طريقة أدائه لها، بتشديده على بعض الكلمات أو وصلها ببعضها.
تكرار مثل هذه التعليقات بات يحبط الشامي، ويدفعه في كل مرة لمشاركة العديد من الستوريات الغاضبة ضد ما اعتبره بات استهدافًا شخصيًا له. يعيد في هذه الفيديوهات ترديد عبارات من أغانيه ببطء ليؤكد أنها بسيطة ومفهومة. يتبع التكنيك نفسه خلال مقابلته مع بيلبورد عربية، يستشهد بكلمات من أغنيته "دكتور": "خايف أنا من القرب/ خايف من دقة قلب/ لانِك رفيقة دَرْبْ/ ولا حتى عابر سبيل" ويختتم قائلاً: "مش معقول يجي حدا يقلي مش مفهوم. بيصير الشخص أو الموضوع مزعج".
لكن ربما اختار الشامي في هذا المثال مقاطع أبسط من اللازم. فالحقيقة أن الشامي يصوغ أحيانًا عبارات غير تقليدية إطلاقًا، كما في الأغنية نفسها حين يغني: "والعين مرايا يا روحي والقلب حان غياره/ ازرع حجر بأحشائه شو خبى كِذبْ بتيابه". أو التعبير المجازي الذي اضطر أن يخرج ويشرحه للجمهور بعد غنائه تتر مسلسل "تحت سابع أرض" الذي غنّى فيه: "منركض لناكل خبز بس الخبز ياكل فينا".
وما مشكلة الغموض؟
لكن هل تحسب هذه النقطة ضده؟ أم تحسب له محاولات التجديد في التعابير والمفردات السائدة في مشهد البوب في بلاد الشام، والعالم العربي، الذي يعاني عموما من الركود والتكرار؟ ألا يجب أن نفرح بوجه شاب لديه ما يقوله، يكتب لنفسه، ويلحن لنفسه، ويحاول كسر النمط السائد؟ ثم أن مَن تابع الشامي في بداياته، يدرك أنه انطلق من جنرا الراب، وبقي متأثرًا به، وربما هذا ما جعله يركز على الابتكار في أسلوب الكتابة، والإتيان بتعابير غير تقليدية. ولعل هذا ما قدّمه الشامي لمشهد البوب، فأحدث فيه هذا الثوران. ثم أن "غموض الكلمات" طالما كان اتهامًا واجهه أبرز الرابرز في المنطقة، لكنه كان في الوقت نفسه عاملًا محفزًا للمستمعين من الشباب لكي يعودوا ويسمعوا تلك الأغاني مرة بعد مرة، ويسعدون باستكشاف معانٍ ومفردات جديدة في كل مرة. ثم، ألم يحفظ العالم العربي بأكمله ويردد، دون فهم، أغانٍ بلهجات أخرى مثل "ديدي" و"عبد القادر" و"خطّار"؟ ألم يستمتع بمعاني وتراكيب معقدة تظهر في الأغاني الشعبية والتراثية؟
إن شعبية الشامي والأرقام التي يحققها تؤكد أن الجمهور يبحث عن المختلف، حتى لو كان غامضًا. وعمومًا.. أليس الغموض جزءًا من الفن؟